صدني فلان، وإن لم يقع قيام ولا قصد. وهذا هو الذي يشبه الآية دون ما ذكروه من المثال.
وبعد، فإن في الكلام شرطا وهو قوله تعالى: (لولا أن رأى برهان ربه)، فكيف يحمل على الإطلاق مع حصول الشرط؟ فليس لهم أن يجعلوا جواب لولا محذوفا، لأن جعل جوابها موجودا أولى. وليس تقديم جواب لولا بأبعد من حذفه جملة من الكلام. وإذا جاز عندهم الحذف لئلا يلزم تقديم الجواب جاز لغيرهم تقديم الجواب حتى لئن لا يلزم الحذف.
فإن قيل: فما البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام حتى انصرف لأجله عن المعصية، وهل يصح أن يكون البرهان ما روي من أن الله تعالى أراه صورة أبيه يعقوب (ع) عاضا على إصبعه متوعدا له على مقاربة المعصية، أو يكون ما روي من أن الملائكة نادته بالنهي والزجر في الحال فانزجر.
قلنا: ليس يجوز أن يكون البرهان الذي رآه فانزجر به عن المعصية ما ظنه العامة من الأمرين اللذين ذكرناهما ، لأن ذلك يفضي إلى الالجاء وينافي التكليف ويضاد المحنة، ولو كان الأمر على ما ظنوه لما كان يوسف عليه السلام يستحق بتنزيهه عما دعته إليه المرأة من المعصية مدحا ولا ثوابا، وهذا من أقبح القول فيه (ع)، لأن الله تعالى قد مدحه بالامتناع عن المعصية وأثنى عليه بذلك فقال تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين)، فأما البرهان، فيحتمل أن يكون لطفا لطف الله تعالى به في تلك الحال أو قبلها، فاختار عنده الامتناع من المعاصي والتنزه عنها، وهو الذي يقتضي كونه معصوما لأن العصمة هي ما اختير (ما اختار) عنده من الألطاف، التنزه عن القيح والامتناع من فعله. ويجوز أن يكون معنى الرؤية ههنا بمعنى العلم، كما يجوز أن يكون بمعنى الادراك، لأن كلا الوجهين يحتمله القول.
مخ ۸۱