يوسف (ع) دون زوجها، لأن زوجها قد خانته في الحقيقة بالغيب، وإنما أرادت أني لم أخن يوسف (ع) وهو غائب في السجن، ولم أقل فيه لما سئلت عنه وعن قصتي معه إلا الحق، ومن جعل ذلك من كلام يوسف (ع) جعله محمولا على إني لم أخن العزيز في زوجته بالغيب، وهذا الجواب كأنه أشبه بالظاهر، لأن الكلام معه لا ينقطع عن اتساقه وانتظامه.
فإن قيل: فأي معنى لسجنه إذا كان عند القوم متبرئا من المعصية متنزها عن الخيانة قلنا: قد قيل إن العلة في ذلك الستر على المرأة والتمويه والكتمان لأمرها حتى لا تفتضح وينكشف أمرها لكل أحد، والذي يشهد بذلك قوله تعالى:
(ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) (1) وجواب آخر في الآية على أن الهم فيها هو العزم، وهو أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير، ويكون تلخيصه " ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها " ويجري ذلك مجرى قولهم: قد كنت هلكت لولا أن تداركتك، وقتلت لولا أني قد خلصتك. والمعنى لولا تداركي لهلكت ولولا تخليصي لقتلت، وإن لم يكن وقع في هلاك ولا قتل. قال الشاعر:
ولا يدعني قومي صريخا لحرة * لئن كنت مقتولا ويسلم عامر وقال الآخر:
فلا يدعني قومي ليوم كريهة * لئن لم اعجل طعنه أو اعجل فقدم جواب لئن في البيتين جميعا. وقد استبعد قوم تقديم جواب لولا عليها، وقالوا لو جاز ذلك لجاز قولهم، قام زيد لولا عمرو، وقصدتك لولا بكر. وقد بينا بما أوردناه من الأمثلة والشواهد جواز تقديم جواب لولا، وأن القائل قد يقول قد كنت قمت لولا كذا وكذا، وقد كنت قصدتك لولا أن
مخ ۸۰