وذكر آخرون: إن البرهان ههنا إنما هو دلالة الله تعالى ليوسف (ع) على تحريم ذلك الفعل، وعلى أن من فعله استحق العقاب لأن ذلك أيضا صارف عن الفعل ومقو لدواعي الامتناع منه وهذا أيضا جايز.
تنزيه يوسف عن محبة المعصية:
(مسألة): فإن قيل: كيف يجوز أن يقول يوسف (ع): (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه)، ونحن نعلم أن سجنهم له معصية ومحنة، كما أن ما دعوه إليه معصية، ومحبة المعصية عند كم لا تكون إلا قبيحة.
(الجواب): قلنا: في تأويل هذه الآية جوابان:
أحدهما: إنه أراد بقوله (أحب إلي) أخف علي وأسهل، ولم يرد المحبة التي هي الإرادة على الحقيقة. وهذا يجري مجرى أن يخير أحدنا بين الفعلين ينزلان به ويكرههما ويشقان (1) عليه، فيقول في الجواب كذا أحب إلي، وإنما يريد ما ذكرناه من السهولة والخفة.
والوجه الآخر: إنه أراد أن توطيني نفسي وتصبيري لها على السجن أحب إلي من مواقعة المعصية.
فإن قيل: هذا خلاف الظاهر لأنه مطلق وقد أضمرتم فيه.
قلنا: لا بد من مخالفة الظاهر، لأن السجن نفسه لا يجوز أن يكون مرادا ليوسف (ع)، وكيف يريده وإنما السجن البنيان المخصوص، وإنما يكون الكلام ظاهره يخالف ما قلناه، إذا قرأ: رب السجن (بفتح السين) وإن كانت هذه القراءة أيضا محتملة للمعنى الذي ذكرناه، فكأنه أراد أن سجني نفسي عن المعصية أحب إلي من مواقعتها. فرجع معنى السجن إلى
مخ ۸۲