من أجل ذلك كان الشيخ أبو حامد الإسفراييني يقول لطاهر العبَّاداني: لا تعلِّق كثيرًا مما تسمع مني في مجالس الجدل، فإن الكلام يجري فيها على ختل الخصم ومغالطته، ودفعه ومغالبته (^١).
وكان الداعي إلى إفراد «علم الجدل» بالتصنيف مع أنه فرع من فروع علم النظر والخلاف= أنه «لما كان بابُ المناظرة في الرد والقبول مُتَّسِعًا، وكل واحدٍ من المتناظرين في الاستدلال والجواب يرسل عِنانه في الاحتجاج، ومنه ما يكون صوابًا ومنه ما يكون خطأً، فاحتاج الأئمة إلى أن يضعوا آدابًا وأحكامًا يقف المتناظران عند حدودها في الرد والقبول، وكيف يكون حال المستدل والمجيب، وحيث يسوغ له أن يكون مستدلًّا، وكيف يكون مخصومًا (^٢) منقطعًا، ومحل اعتراضه أو معارضته، وأين يجب عليه السكوت ولخصمه الكلام والاستدلال» قاله ابن خلدون (^٣).
وقد وصف لنا شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المرحلة وصفًا يكشف لنا حقيقتها وخصائصها وميزاتها وما لها وما عليها، فقال: «ثم صار المتأخرون بعد ذلك قد يتناظرون في أنواع التأويل والقياس بما يؤثر في ظن بعض الناس، وإن كان عند التحقيق يؤول إلى الإفلاس، لكنهم لم يكونوا يقبلون من المناظرة إلا ما يفيد ولو ظنًّا ضعيفًا للناظر.
_________
(^١) انظر «طبقات الشافعية الكبرى»: (٤/ ٦٢). وانظر ما علقه تاج الدين السبكي على هذا النص.
(^٢) في المطبوعة: «مخصوصًا»، وما أثبته من نسخة أخرى، وهو أصح.
(^٣) «المقدمة» (ص ٥٠٦).
المقدمة / 37