وبكونهما غير عاصيين لجهلهما بوجود الصفة / لا يخرج الفعل عن كونه منكرًا.
ولا يتقاعد ذلك عن زنا المجنون، وقد بينا أنه يمنع منه، فإذا كان يمنع مما هو منكرًا عند الله تعالى، وإنْ لم يكن منكرًا عند الفاعل، ولا هو عاص به لعذر الجهل.
فلزم من عكس هذا أن يقال ما ليس بمنكر عند الله تعالى، وإنما هو منكر عند الفاعل لجهله لا يمنع منه، وهذا هو الأظهر والعلم عند الله.
فيحصل من هذا أن الحنفي لا ينكر على الشافعي في النكاح بلا ولي، وأن الشافعي ينكر على الشافعي فيه لكون ذلك الفعل منكرًا باتفاق المنكِر والمنكَر عليه.
وهذه مسائل فقهية دقيقة، والاحتمالات فيها متعارضة وإنما أفتينا فيها بحسب ما ترجح عندنا في الحال، ولسنا نقطع بخطأ المخالف فيها إن رأى أنه لا يجوز الإنكار إلا في معلوم على القطع.
وقد ذهب إلى هذا ذاهبون وقالوا: لا إنكار إلا في معلوم على القطع مثل الخمر والخنزير، وما يقطع بكونه حرامًا.
ولكن الأشبه عندنا أن الاجتهاد مؤثر في حق المجتهد إذ يبعد غاية البعد أن يجتهد في القبلة، ويعترف بظهور القِبلة عنده في جهة بالدلالة الظنية ثم يستدبرها، ولا يمنع منه لأجل ظن غيره إذ ربما يظن غيره أن الاستدبار هو الصواب.
ورأي مَنْ رأى أنه يجوز لكل مقلد أن يختار من المذاهب ما أراد غير معتد به، ولعله لا يصح ذهاب ذاهب إليه أصلًا، فهذا مذاهب لا يثبت، وإنْ ثبت لا يعتد به، انتهى.
فهذه الشروط المذكورة لابد منها في وجوب الإنكار وهي: أن يكون الفعل منكرًا، أو أن يكون موجودًا، أو أن يكون ظاهرًا، وأنْ يكون معلومًا بغير اجتهاد، والله ولي التوفيق.
1 / 44