قلت: وهذا الذي ذكرته هو معنى كلام الغزالي، وإليه ذهب الفوراني وصاحب التهذيب والقاضي أبو المحاسن الروياني وغيرهم.
وقد قال الماوردي: ليس للمحتسب أن يبحث عما لا يظهر من المحرمات وإن غلب على الظن استرار قوم بها لإمارات وآثار ظهرت، وذلك ضربان:
أحدهما: أن يكون في ذلك حرمة يفوت استدراكها، وذلك مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلًا خلا ليقتله، أو امرأة ليزني بها فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث حذارًا من فوات ما لا يستدرك، وكذلك لو عرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار.
الضرب الثاني: ما قصر عن هذه الرتبة، فلا يجوز التجسس عليه ولا كشف الأستار عنه فإن أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار ولم يهجم عليها بالدخول لأن المنكر ظاهر، وليس عليه أن يكشف عن الباطن، انتهى.
وهذا مخالف لما قدمناه من أن له دخول الدار لكسر الملاهي، والله أعلم.
ويحتمل أن يقال: إنما يمنع من هجوم الدار إذا كان يحصل مقصود الإنكار من خارج، فإن علم أن ذلك المنكر لا يزول إلا بدخوله، أو يفوت بعدم دخوله، / مثل أن يخرجوا الخمر والملاهي إلى مكان آخر ويتحولوا إلى دار حصينة لا يبالون به فيها، أو يشربون الخمر ولا يلتفتون إلى إنكاره من خارج فله المبادرة بالدخول، والله أعلم.
قال الغزالي: فإن فاحت رائحة الخمر، واحتمل أن تكون محترمة فلا يجوز
1 / 41