ولما فرغ من تعديد أجزاء الشعر عندهم، قال: فأما أجزاء صناعة المديح التى من جهة الكيفية والتى من جهة الكمية فقد أخبرنا بها. فأما من أى المواضع يمكن عمل صناعة المديح، فنحن مخبرون عنها بعد ومضيفون ذلك إلى ما تقدم.
قال: وينبغى — كما قيل — ألا يكون تركيب المدائح من محاكاة بسيطة، بل مخلوطة من أنواع الاستدلالات وأنواع الإدارة ومن المحاكاة التى توجب الانفعالات المخيفة المحركة المرققة للنفوس. وذلك أنه يجب أن تكون المدائح التى يقصد بها الحث على الفضائل مركبة من محاكاة الفضائل ومن محاكاة أشياء مخوفة محزنة يتفجع لها، وهى الشقاوة التى تلحق من عدم الفضائل لا باستئهال. وذلك أن بهذه الأشياء يشتد تحرك النفس لقبول الفضائل. فان انتقال الشاعر من محاكاة فضيلة إلى محاكاة لا فضيلة، أو من محاكاة فاضل إلى محاكاة لا فاضل، ليس فيه شىء مما يحث الإنسان ويزعجه إلى فعل الفضائل، إذ كان ليس يوجب محبة لها زائدة ولا خوفا.
والأقاويل المديحية يجب أن يوجد فيها هذان الأمران، وذلك يكون إذا انتقل من محاكاة الفضائل إلى محاكاة الشقاوة ورداءة البخت النازلة بالأفاضل أو انتقل من هذه إلى محاكاة أهل الفضائل؛ فان هذه المحاكاة ترق النفس وتزعجها إلى قبول الفضائل. وأنت تجد أكثر المحاكاة الواقعة فى الأقاويل الشرعية على هذا النحو الذى ذكر، إذ كانت تلك هى أقاويل مديحية تدل على العمل، مثل ما ورد من حديث يوسف — صلى الله عليه — وإخوته، وغير ذلك من الأقاصيص التى تسمى مواعظ.
مخ ۲۱۸