220

والوجه الثاني : أن قوله فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا(1): نحن أكثر عملا، وأقل عطاء. فمعلوم أن كثرة العمل تكون بطول مدة وقتهم [وقصر وقت أمتنا](2)، ففي هذا أن ما بين العصر إلى غروب الشمس أقل مما بين الظهر إلى العصر، فذلك يوجب أن وقت العصر حين يصير ظل كل شيء مثليه.

قيل لهم: إن هذا الخبر إن صح خبر ورد على طريق التشبيه، وضرب المثل فليس يجوز الاعتراض به على خبرنا، ولا تقديمه عليه؛ لأن خبرنا ورد المقصد به في بيان الأوقات وتعليمها، فأكثر ما علينا في هذا الخبر إذا قبلناه أن نذكر له وجها وتأويلا، ثم الواجب الرجوع إلى الخبر الذي ذكرناه للوجه الذي بيناه.

فنقول: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد بذلك آخر وقت العصر، وآخر وقته حين يصير ظل كل شيء مثليه، فعلى هذا التأويل يسقط تعلقهم بالوجهين جميعا.

ويحتمل أيضا أن يكون اليهود والنصارى بأجمعهم قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء ولم يقله كل واحد من الفريقين على حياله فلا يجب إذا أن يكون وقت الظهر أطول من وقت العصر، وإنما يجب أن يكون من أول النهار إلى وقت العصر أطول من وقت العصر إلى غروب الشمس.

فإن قيل: لو كان ذلك كذلك، لم يقولوا بعد قولهم نحن أكثر عملا وأقل عطاء؛ لأن عطاء الفريقين مثل عطاء المسلمين.

قيل لهم: ليس الأمر كذلك؛ لأن عطاءهم بالإضافة إلى أعمالهم أقل من عطاء المسلمين بالإضافة إلى أعمالهم، على أن ما يقصد به ضرب المثل والتقريب لا يجب أن يكون مثل الممثل به على التحقيق، وإنما يجب أن يأخذ منه شبها على وجه من الوجوه، وهذا الكلام أضعف من أن يحتاج فيه إلى الإطالة.

مخ ۲۲۰