209

يكشف ذلك أن المشرك قد يجوز أن يستحفر القبر، وأن يستعمل فيما يكون عمارة المسجد، ولا يجوز أن يكون مؤذنا، فأما ما ذهبنا إليه من أن المؤذن يجوز له أن يأخذ ما يعطى إذا لم يكن مشروطا، فلا خلاف فيه، فإنه لا يجري مجرى الأجرة، وإنما(1) يجري مجرى الإحسان إليه كما يحسن إلى الغزاة، وأهل الفضل والدين من الفقهاء وغيرهم.

مسألة [ في الكلام أثناء الأذان والإقامة ]

قال: ويكره الكلام في الأذان والإقامة إلا من ضرورة. وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(2).

والوجه فيه أنهما عبادتان مختصتان بالنطق، فيكره أن يقطع بينهما، كالخطبة وسائر الأذكار، ويقوي ذلك ما استقر من عادة المسلمين أنهم لا يتكلمون فيهما، بل يستمرون فيهما من غير أن يتخللهما ما ليس منهما، وهي عادة لهم من أول الإسلام إلى يومنا هذا.

مسألة [ في أذان المحدث وإقامته ]

قال: ولا يجوز للمحدث أن يقيم، ولا بأس بأذانه، قال: وقال القاسم عليه السلام: ولا(3) يؤذن الجنب. وما ذكرناه(4) أولا منصوص عليه في (الأحكام) (5)، وما حكاه عن القاسم عليه السلام منصوص عليه في (مسائل النيرسي).

وذكر يحيى عليه السلام في (الأحكام)(6) العلة في منع المحدث من الإقامة، فقال: "لأنه ليس بعدها إلا الصلاة"، فكأنه شبهه بالخطبة؛ لأن الخطبة لما وليتها الصلاة، لم يخطب إلا المتطهر، فكذلك الإقامة لا يقيمها إلا المتطهر؛ لأن الصلاة تليها؛ ولأنه لم يرو عن أحد من مؤذني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أكابر الصحابة أنه أقام، ثم تطهر، بل كانوا يبتدئون الصلاة حين يفرغون من الإقامة، فبان أنهم لم يكونوا يقيمونها إلا متطهرين.

مخ ۲۰۹