لقيته بالمدرسة الناصرية من القاهرة المعزية فسمعت فوائد من لفظه وقيدت شوارد من حفظه وقرأت عليه تفقها بعض مختصر التفريع لابن الجلاب اختصار قاضي القضاة ببغداد عز الدين حسين بن أبى القاسم النيلي وهو المختصر الأكبر وأذن لي في روايته عنه وحدثني انه قراه قراءة تفقه وبحث على مؤلفه المذكور ببغداد وإجازة إياه وأذن له في تدريسه وتبيينه إجازة تامة مطلقة عامة؟ وأنشدني لأبي العلاء المعري قوله:
لا تطلبن بآلة لك رتبة ... قلم البليغ بغير جد معزل
سكن السما كان السماء كلاهما ... هذاله رمح وهذا أعزل
وممن سمعت عليه وترردت إليه واحتفلت إلى منزله واعترفت بفضله وتطوله، الشيخ العالم الكبير تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي إمام من أئمة الشافعية، وعالم من كبار علماء الديار المصرية ومن يعترف له بالرتبة العلية، ويرشح للخطة الكبيرة القاضوية له عدالة الأصل وأصالة العدل وإصابة النقل ورزانة العقل وجزالة القول والفعل ومتانة الدين والفضل، إلى تحصيل وتفنن وتأصيل، في المنقولات والمعقولات وتمكن ونظر راجح وحفظ راسخ وتقدم في التحديث والرواية عال شامخ، كريم شهد له العيان إليه يعزي البيان، ومن بحره يخرج اللؤلؤ والمرجان، إلى آداب غضة وفضائل مرفضة ومساع كغرته مبيضة:
فمساعيه شهود أنه ... خير فرع جاء من أكرم أصل
لقيته بمنزله من القاهرة فتراكمت على سحائب أياديه الهامرة وأسمعني كل مسموع مفيد ولم أزل من كرمه الواكف كل يوم في عيد، ولما أكملت سماعي عليه واستوفيته لديه رسم لي الإجازة التامة العامة بخطه رسما كملت أوصانه وأوجبه فضله وإنصافه قرأت عليه كثيرا من شعر الإمام أبى عبد اله الشافعي ﵁ فاستحسنت منه قوله:
لما عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من هم العداوات
أني أحيي عدوي حين أبصره ... لأدفع الشر عن بالتحيات
ولست أسلم ممن ليس يعرفني ... فكيف أسلم من أهل المودات
وممن سمعت عليه أياما وشفيت بري الرواية عنه أواما، الشيخ العالم المحدث تاج الدين أبو محمد عبد الله بن علي القلعي الأطفيحى أحد المشيخة الذين تقرظ بحلي أنبائهم الآذان مصيخة فتراشحوا للعلاء، وتوشحوا بغر الحلي، وكرعوا في بحر علم لا تكدره الدلاء، طلب العلم من صغره، ولازم كبراء رجاله، وعمر طويلا وروى وأسند كثيرا فتحلى من علو الرواية أجمل حلية، وأخذ عن جماعة من العلماء عليه فهو الرواية وحيد عصره، وفريد دهره، مع مشاركة في معارف أخرى واستيثار في جميع ذلك بالحظوة والأثر، وإذا يراجعك الحديث فخذ منه وحدث عن أبى ذر، لقيته مرار كثيرة وسمعت عليه جملا مفيدة، وكتاب شرف أصحاب الحديث للحافظ أبى بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، وسمعت جميعه عليه بقراءة شيخنا معين الدين ابن عبد الله محمد بن فتوح المصغونى زبقصد الرواية عمها بحق إجازتهما من الشيخ أبى العز عبد العزيز عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور بن هبة الله بن الصقيل الحراني النميري بسماعه عن أبى القاسم ضياء بن الخريف بسماعه من المصنف أبى بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري بسماعه من المصنف أبى بكر أحمد بن علي المذكور وأجازني الإجازة التامة وكتب لي بخطه، سمعت بها أيضا، وقرأت على سوى من ذكرت.) ثم (خرجنا منها في صبيحة يوم الاثنين الثامن والعشرين لرجب الفرد من عام سبعة وثلاثين المذكور مستقبلين الأرض الصحراء الجذبة الفقراء حتى تحار فيها القطا، ولا تهتدي إليها الخطا، ويعدم بها الماء، وتضن عليها السماء، ويفنى فيها الزاد، ويعيى بسلوكها العباد، نحدو بالجمال، ونخفض الاقتاب لرفع الرحال، ونقطع بالسير موصول تلك الرمال، حتى أشرفنا على مدينة) غزة (فدخلناها ضحوة يوم الثلاثاء السابع لشعبان المكرم من العام المذكور وقد:
تبسم ثغر الزهر عن شنب القطر ... ودب عذار الظل في صفحة النهر
فزينة الأرض مشهورة، وحلة الروض منشورة، والبسيطة مدت بساطا مفوفا، وأهدت من مطارف وشيها وزخارف نورها ألطافا وتحفا:
فالجو رقراق الشعاع مفرق ... والماء فياض الآتي معسجد
والأرض في حلى الربيع كأنما ... قطف الغمائم لؤلؤ وزبرجد
1 / 42