المسلمين كمال الدين أبى عبد الله محمد بن محمد عبد الرحمن القرشي الإسكندري حامي المجيزيين، وحامل لواء العدول المبرزين، ومجدد ملابس الثناء الثمين، ومحرز عرائس الألفاظ لحفظ ذمم العالمين، ذخر الدهر، فخر القطر، وسر العدا، وآفة الجزر، ومالك بيض الطروس وسمر السطور، وبالبيض والسمر، وقار ما مثله وقار، ومآثر كأنها علم في رأسه نار، مفاخر طوالعها صبح ونهار، وشيم تتضاءل لها قطع الرياض، وتحدث ولا حرج عن بحر الكرم الفياض، وسجايا عريقة المجد، ما جدة الأعراق، خليقة بالمجد حميدة الأخلاق، قد سقته العلوم زلالها، ومدت عليه العدالة ظلالها، وأحلته الجلالة جلالها، وأرشفته الأصالة عذبها وسلسالها فعلا قدرا ولاح في سماء السناء بدرا، وصار لأولئك الصدور صدرا، وحق لمن أعلقت بهذا الشرف حبالته ان توارى أنوار الغزالة ذبالته:
شرف يطل على السماك وسؤد ... كالصبح لا يسع العدا إنكاره
لقيته بالإسكندرية بحانوت الوثيقة، وحيث تأثلت معارفه تأثل الروضة الأنيقة، فسمعت عليه أجزاء كثيرة وكبيرة، ومنها جزء انتقى من الأخبار لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري وسنده فيه مقيد في أوله ومن أصله نقلته، وعليه صححته، وقد قرأته على غيره وسمعته، وأذن لي هو في روايته وأجازني جميع ما يحمله ويرويه إجازة تامة مطلقة عامة، وكتب لي بخطه، ومولده أول ساعة يوم الأربعاء ثاني جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وستمائة، وأنشدني لأمير المؤمنين علي بن أبى طالب ﵁:
إنما للناس منا ... حسن خلق ومزاح
ولنا ما كان فينا ... من فساد وصلاح
وممن تدمجت معه وتمتعت به فيها صاحبنا الشيخ الفقيه المحدث تقي الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى بكر بن عوام الربعي الشافعي، سبط الشيخ الولي الشهير أبى الحسن الشاذلي نفع الله تعالى به، هو من كبار الطلبة الفضلاء، وخيار السادة الفقهاء، وسليل الكرام والأكابر والأولياء صالح أراك سيرة سلفه، وأعفاك من كبره وصلفه، واقتفى سنن مجده، واقتدى في حمل الفضائل بأبيه وجده، إمام مدرسا وعدلا مبرزا، ذاكرا للعرب وأنسابها، حافظا لغاتها وآدابها، جذب من العربية أوفر نصيب، وضرب في الحديث والفروع بسهم مصيب، وشارك في جمل فضائل وجمل مسائل، وحصل من كرم الطبع وطبع الكرم على طائل، مع إفادته طلبته في تدريسه، ونصيحته لمستفيده وجليسه، فلا فضيلة إلا وفضل بحملها وحمل فضلها، وكان أحق بها وأهلها، وأخاني وصافاني فتجاذبنا المذاكرة، وتعاهدنا المراوحة للشيوخ والمباكرة، وأفاد كل واحد منا صاحبه بما تجلبه المذاكرة من وجه الإفادات وتفضل من المشاركة المباركة وبذل الجد والمياسرة في لقاء أولئك الأفاضل، والأخذ عنهم بما أوجب على ذكره معهم وإلحاقه بهم وإضافته إلى جملتهم:
حفظا على السؤدد الممنوع جانبه ... من أن يضام وإشفاقا على الكرم
وسمعت عليهم بقراءته كثيرا، وتحصل لي منهم بدلالته حفظا كبيرا، وأجازني الإجازة التامة وكتب لي بخطه وأنشدني أناشيد كثيرة تقيدت في غير هذا، ومن ذلك ما أنشدني، وقال: أنشدنا شيخنا بخطه: أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان بلفظه، قال: أنشدنا الفقيه الإمام الأديب البارع، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن ختام الدين دانيال بن يوسف بن معتوق الخزاعي الموصلي لنفسه:
ألا أن أرض الغرب أفضل موطن ... تساق إليه الواخذات النجائب
1 / 29