علي بن محمد بن علي بن هذيل البنسى، قال قرأت جميع ذلك على الشيخ الفقيه المقرئ أبى داود سليمان بن نجاح الأموي، قال، قرأت جميع ذلك على الإمام الحافظ أبى عمرو وعثمان بن سعيد بن عثمان الدانى بسنده في كتاب التيسير، وقد قرأت جميعه عليه وقرأت عليه جميع القصيدة اللامية المسماة بحرز الأماني التي من نظم الإمام أبى القاسم بن فيرة الشاطبى ﵀ قراءة تثبيت وتبيين لمعانيها وإعراب لمشكلها، وإيضاح لأسرارها، واستخراج لغوامضها وجميع عقيلة أتراب القصائد من نظم الشاطبى أيضا وحدثني بجميع ذلك عن شيخه أبى العباس البطرنى المذكور، ولشيخي هذا أسانيد غيرها، وسماع وتبتل، وانقطاع ومواصلة للقرآن واعتناء بذلك الشأن فجمع بين علو الإسناد، والسلسلة الذهبية وتوسع كثيرا في اللغة العربية. وتتبع أنواعا من هذه الطريقة الأدبية يعمر بها مجالسه أنشدني لبعض الشعراء:
أني غريب بأرض لا كرام بها ... كغربة الشعرة السوداء في الشمط
لا أطلق العين في شيء أسر به ... ولا أنال الرضى إلا على سخط
وأنشدني لبعضهم:
ان الليالي للأنام مناهل ... تطوي وتنشر بينها الأعمار
فقصارهن مع الهموم طويلة ... وطوالهن مع السرور قصار
وأنشدني لبعضهم:
تمتع بالرقاد على الشمال ... فسوف يطول نومك باليمين
ومتع من يحبك باجتماع ... فأنت من الفراق على يقين
وكان ﵁ رقيق الاشادات، طيع العبارات، حلو الحكايات، عالي الروايات، تبهجك طلاقته ويرضيك بشره مع مروؤة ظاهرة، وتمام خلقة، وهدى وسمت ووقار لأكفاء له، إلى حسن البيان وعذوبة اللسان.
ملح كالرياض غازلت الشم ... س رباها وافتر عنها الربيع
فهي للعين منظر مؤلف الحس ... ن وفي النفس سئودد مجموع
ذكر لي قال دخل بعض الملوك على جارية له، وقد دهن شعره بدهن بيضه به، فقال يخاطبها:
كل البياض مليح ... لا شيء في الحسن بعده
فأجابته:
أهواه من كل شيء ... إلا من الشيب وحده
فاستحسن جوابها، وأحسن ثوابها، وأخبرني، قال دخل بعض الشعراء على بعض الكبراء مادحا له بشعر قاله فيه فوجد عنده حجاما قد قص من شعره وأجزل له في العطاء ولم يعط الشاعر فقال مرتجلا:
أرى من جاء بالموسى مواسي ... وراحة ذي القريض تروح صفرا
فهذا منجح ان قص شعرا ... وهذا مخفق ان نص شعرا
وأخبرني قال: مدح أبو الحسن بن الفضل أحد الوزراء بمراكش وكان أقرع فلم يثبه، فقال:
أهديت مدحي للوزير الذي ... دعا به المجد فلم يسمع
فحامل الشعر إليه كمن ... يهدي به مشطا إلى أقرع
وأخبرني قال: أهدى سالم بن قاسم من بني مهنا الحسنيين لصلاح الدين ابن أيوب مروحة بيضاء وفيها مكتوب بالأحمر بيتين وهما هذه:
أنا من نخلة تجاور قبرا ... ساد من فيه سائر الخلق طرا
شملتني سعادة القبر حتى ... صرت في راحة أبن أيوب أقرأ
1 / 13