رحل إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ففاز من ذلك بغاية سوله، ونهاية مطلبه ومأموله، وتواتر عنه أنه لما عاد إلى وطنه، أعاد جميع صلواته التي كان صلاها في سفره، إذ لم ترتضها عبادته النزيهة ومعالي سيره، وها هو قد طعن في السنين، ونيف على التسعين، فما ضعفت له قط موارد العبادة، ولا تعطلت منه تلك المدرسة عن الدول المعتادة ومما تقلت منها: ان الواقدى رفع إلى المأمون قصة يشكى فيها غلبة الدين وقلة الصبر، فوقع عليها، أنت رجل فيك خلتان، السخاء والحياء، فأما السخاء فهو الذي أطلق ما في يدك، وأما الحياء فهو الذي بلغ بك ما أنت عليه، وقد أجزنا ذلك بمائتي ألف درهم، فان كنا أصبنا إرادتك فأزدد في بسط يديك وأن كنا لم نصبها فجنايتك على نفسك، فأنت كنت حدثتني وأنت على قضاء الرشيد ان رسول الله ﷺ قال للزبير: ان مفاتيح الأرزاق بازاء العرش ينزل الله للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثر كثر له، ومن قلل قلل له، قال الواقدى: وكنت أنسيت هذا الحديث فكانت مذاكرته إياي به أعجب إلى من صلته. وأعززهما بإمام الدنيا ومتبوئ الذرة العليا، وسابق الغاية القصيا، والشيخ العالم، قدوة الأئمة وواحد أسانيد الأمة أبو عبد الله بن برال أبقى الله تعالى بركته، رجل أتاه الله تعالى كتابه وفتح عليه فيه أبوابه، ووفقه في أدائه إلى الصواب فأصابه، فاجتمع الناس إليه وتناغى المجودون من أهل القرآن في التلقف منه، وانثالوا إليه عمن سواه فقامت له سوق، وأجلى خبره عن تقديم أمثل الخبرة، وأطباقهم على تفضيله، وكان هذا الشيخ قد أوتي من حسن اللفظ بالقرآن ما لم يؤته أحد ممن بقى على الأرض في هذا الوقت بإجماع، حضرت قيامه في ليالي رمضان بالاشفاع وانتدب الناس إسماعه من النواحي والبقاع فما قرع سمعي ولا وقع في أذن قلبي، أحسن منه صوتا ولا أحلى تلاوة، ولا أطيب إيرادا، ولا أعذب مساقا، ولا أعجب أحكاما، ولا أغرب ترتيلا، ولا أجمل جملة وتفصيلا. ولقد كنت في حين قراءته على قساوة قلبي، وغباوة لبى أتغاشى وأتلاشى ويضج جامع تونس باهله، ويغص جمعه، فبين باك وداع وخاشع وساقط من القيام، وعادم وجوده في ذلك المقام، كلهم يفعل فيه صدقه، ويسكنهم نطقه، ويسكرهم ذوقه، قرأت عليه القرآن العظيم بالقراءات السبع جمعا في ختمة واحدة والإدغام الكبير في رواية أبى عمرو بن العلاء وترك الهمز من طريق أهل الرقة، بطريق أبى عمرو الداني رحمه الله تعالى وهو آخر من قرأت عليه السبع من الأئمة المقرئين والأساتذة المبرزين عددهم اثنا عشر شيخا ما منهم إلا من قرأت عليه القرآن العظيم بالقراءات السبع إفرادا وجمعا أو أفرادا، أولهم الأب المرحوم ناجلى، الكفيل بتربيتي في نشأتي وناحلى أول موهبة من تدريبي في بدأتي والدي عيسى ﵁ قاضي بلدة قتورية وخطيبها ووالي كافة أمورها مدة من أربعين سنة قرأت عليه بالقراءات السبع على والده جدي الأستاذ الخطيب الحاج الزاهد أبى جعفر أحمد، وقرأ والده جدي بالقراءات السبع على جماعة منهم والده الخطيب الصالح أبو إسحاق إبراهيم وقرأ والده جد والذي بالقراءات السبع كذلك على جماعة منهم والده الفقيه أبو جعفر أحمد بن علي بن أبى خالد رحمة الله على جميعهم، وهكذا تتصل لي هذه السلسلة بالقراءة السبع إلى سابع جد ولله الحمد، وحدثني شيخي هذا انه قرأ بالقراءات السبع أفرادا مع الإدغام الكبير في رواية أبى عمرو بن العلاء وترك الهمز من طريق أهل الرقة ثم جمع السبع في ختمة كاملة، وقرأ قراءة أبى محمد يعقوب الحضرمي على الشيخ الفقيه المقرئ الصالح الرواية أبى العباس أحمد بن موسى بن عيسى بن أبى الفتح الأنصاري المشتهر بالبطرنى وحدثه أنه قرأ بالسبع القراءات على الشيخ الفقيه المقرئ الخطيب القاضي أبى محمد عبد الله بن يوسف بن أبى بكر بن عبد الأعلى المغافري السبرتى بقراءة نافع أفرادا وجمعا وباقي السبع ختمة جمعا لكل إمام ثم جمع عليه السبع في ختمة كاملة مع الإدغام الكبير، قال قرأت على خاتمة المحققين بل المقرئين بشرق الأندلس أبى جعفر أحمد بن يحيى بن عون الله الحصار بقراءة نافع إفرادا وجمعا وجمعت عليه السبع في ختمة كاملة كما قرأت بالقراءات السبع بالأفراد والجمع مع الإدغام الكبير فيهما على الشيخ الفقيه الزاهد أبى الحسن
1 / 12