قلنا: المذاهب والآراء لا يختص بمعرفتها القائلون بها، بل لا بد أن يعقلها المخالف كما يعقلها المؤالف، فلو كانت معقولة لعقلناها.
ويقال لهم: أليس عندكم كانت الهيولى فيها قوة بها تركب العالم، أو طبيعة قديمة منها يتركب؟ فلا بد من بلى، فيقال لهم: هذه القوة كانت قديمة أو محدثة؟.
فإن قالوا: قديمة.
قلنا: فوجب أن تكون المركبات أيضا قديمة؛ لاستحالة أن توجد العلة ولا معلول؛ لأن فيه خروج العلة عن كونها علة، إذ العلة توجب المعلول لذاتها.
وإن قالوا: محدثة.
قلنا: بماذا حدثت تلك القوة؟.
فإن قالوا: بقوة أخرى. بقي السؤال في تلك القوة، فإما أن يثبتوه صانعا قديما مختارا تنتهي الحوادث إليه، أو يثبتوا من المعاني ما لا نهاية لها وذلك محال.
ويقال لهم: هبوا أن هاهنا طبيعة أو خاصة أو مادة، أليست العقول تشهد في الشاهد أن الفعل لا يصدر إلا من حي قادر، فإذا لم تكن الطبيعة حية وقادرة وعالمة كيف يصح إضافة هذه التأثيرات مع حسنها ونظامها إليها.
ويقال: هذه الطبيعة علة موجبة للنمو والتركيب أو غير موجبة؟.
فإن قالوا: موجبة.
قلنا: فإذا حصلت فيجب أن يحصل النمو أو التركيب دفعة واحدة في حال واحد؛ لأن الموجب حصل، وقد علمنا أن الأشياء تحصل على ترتيب وتدريج وتغير أحوال، وإن قالوا غير موجبة احتاج إلى أمر آخر يوجبه.
ويقال لهم: أليس هذه الأشجار والثمار والحبوب وغير ذلك مما ينمو ويظهر في العالم، كما يحتاج إلى الشجر والنبات يحتاج عندكم إلى الحب وإلى الأرض والماء والشمس والهواء وغير ذا الأسباب، فلا بد من بلى، فيقال: كل واحد منها علة، أو واحد منها علة، أو مجموعها علة؟.
مخ ۶۱