مسألة في نفي الطبائع والرد على الطبائعية
قالت الموحدة: إن جميع ما يظهر في العالم من تأثير حي قادر عالم وكلها محدثة أحدثها القديم لا من شيء.
والطبائعية: أثبتت قديما، ولكل شيء طبيعة وخاصة، فأضافت إليها جميع التأثيرات، وجميع ما يظهر في العالم الحيوان والثمار والأشجار والنبات وغير ذلك.
والكلام يقع معهم في موضعين:
أحدهما: أن ما يثبتونه من الطبيعة غير معقولة.
والثاني: أنها وإن عقلت لا يصح إضافة التأثيرات إليها، وقد بالغ شيوخنا في تفصيل الكلام عليهم وبيان فساد مذهبهم.
ويقال لهم: الكلام في إثبات الشيء ونفيه وتصحيحه وإفساده لا يصح إلا بعد العلم به، وما يدعونه من الطبيعة والمادة والقوة والخاصية على اختلاف عباراتهم غير معقولة؛ لأنها إما أن تعلم ضرورة أو مشاهدة أو استدلالا، ومعلوم أنها غير مشاهدة، ولو كانت ضرورة لاشترك العقلاء في معرفتها ولما صح نفيها بشك وشبهة فلم يبق إلا أن يعلم بدليل ولا دليل عليه؛ لأن معرفة الذات إما أن تعلم بحكمها كالعلة أو المعلول، أو بفعلها كالفاعل والفعل، وهذه الطبيعة غير فاعلة ولا لها حكم يدل عليها.
فإن قالوا: لها حكم يدل عليها وهو ما يوجد من التأثيرات ضدها.
قلنا: ذلك كله فعل فاعل مختار فلا نسلم أنها من تأثيراتها، وبعد فنثبت أولا الطبيعة ثم نضيف إليها التأثير.
ويقال لهم: هذه التأثيرات أجسام أو أعراض معلومة معقولة، وما يحصل من النما معقول، وأجمعنا نحن وأنتم أنه لا بد لها من مؤثر على ما تقتضيه العقول وجب أن يكون لها مؤثر يعلم ويعقل، ومنذ دهر نطالبهم بأن يعقلونا هذه الطبيعة وبعد لم يحصل العلم بها.
فإن قالوا: نحن نعقلها.
مخ ۶۰