ويقال لهم: وآية أخرى في هذا الهواء كيف أوقفه وبه تحيا الحيوانات، وبه ينمو كل نام، فهو للأحياء متنفس، ثم إذا تحرك كانت الريح على اختلافها من صبا ودبور وجنوب وشمال التي بها تتم التدابير، وإذا تكاثف كانت منه الغيوم التي فيها يخلق الله المطر والثلوج.
ويقال لهم: وآية أخرى في نزول المطر والسحب الثقال، وما يتصل بها من منافع الخلق وعمارة الدنيا، فإذا قل ينال الخلق الجدوبة وضرر الأنعام وغير ذلك، قال تعالى: ?ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد?[ق:9].
ويقال لهم: وآية أخرى في ضروب الحيوانات من الإنس والدواب والأنعام والوحوش والطيور وصورها وألوانها، فمنها ما يعقل، ومنها ما لا يعقل، ومنها ما هو مسخر، ومنها ما يألف الناس، وكيف سخر ذلك مع قوتها لمن هو أضعف منها؟ كالجمال والفيلة والثيران والكلاب والفهود ونحوها، ثم أغذيتها مختلفة، منها الحبوب، ومنها اللحم، ثم جعل بعضهم يطير، وبعضهم يمشي، وبعضهم يدب على بطنه، ثم جعلهم يتبعون أمهاتهم ويتعلمون منهن عاداتهن في التقاط الحبوب وصيد الحيوان والمأكل والمشرب، وكل واحد منها لمنفعة، بعضها للأكل، وبعضها للحمل، وبعضها لآلة الصيد، وما كان للحمل هيأ ظهورها لها، وما كان للصيد أعطاها آلة الصيد، ثم جعلها خائفة من العقلاء، حتى أنا لو قدرنا أنها اجتمعت وعقلت كانت خليقة أن تغلبهم وتجتاحهم، فسلبها العقل، وسخرها، وألقى في قلوبها الرعب، وما يحتاج إليه الناس منها ألفه لهم كالكلاب، وما استغني عنه لا يألفهم، كل ذلك تقدير العزيز العليم.
مخ ۵۸