ويقال لهم: أليس أعطى الإنسان بعض العلوم التي بها ينتفع في دينه ودنياه، فمنها ما يحصل ابتداء كالعقول البداية التي تبتني عليها جميع العلوم، ومنها ما يحصل بالعادة كعلوم الطبائع والتجارب والغراس والزرع، واقتناء المواشي والدواب، واستعمال الأغذية والأدوية، وتحصل الجواهر والعلوم والعقائد، ومنها ما يحصل عند النظر والإستدلال، كعلوم الديانات، ومن العلوم ما يمنع إما لأنه لا يفيد أو لأنه مفسدة كعلم الغيب، والعلم بالآجال والأرزاق ونحوها، فمن دبر هذا التدبير في الإنسان إلا العليم بالعواقب سبحانه وتعالى، ومن ذلك خلق السماوات وما فيها من الأشياء العلوية.
فيقال لهم: أليس العالم كبيت مبني، السماء من فوقه كالسقف، والأرض مبسوطة تحته كالبساط، والنجوم متلألئة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، كل شيء لمنفعة مخصوصة، ثم بث فيما بينها الحيوانات لمنافعه، وضروب النبات لمادته، وأنواع المنافع ليصل بها إلى مصالحه، فهل يصح ذلك إلا من مدبر حكيم.
ويقال لهم: أليس هذه السماوات مركبة ساكنة مرتبة، فمن ركبها هذه التراكيب العجيبة، ومن رفعها الرفعة العالية، ومن أمسكها من غير مكان وعلاقة، ومن زينها بالنجوم المتلألئة، ومن جعل لها أحسن الألوان، ومن جعل لها هذه الصنعة المحكمة إلا الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، كما قال تعالى: ?وبنينا فوقكم سبعا شدادا?[النبأ:12].
ويقال لهم: هذه النجوم بعضها سيارة، وبعضها منازل وبروج، وبعضها يقطع البرج في مدة، وتختلف في القلة والكثرة، فمن دبر هذه التدابير، ومن أجرى الفلك على هذا التقدير إلا العليم القدير.
مخ ۵۲