وكما تختلف هذه الأشياء تختلف منافعها، فالعينان للنظر والرؤية، واليدان للبطش والعمل، والأذنان للسماع، والرجلان للسعي والتصرف، والأنف للشم، والفم لإدراك الطعوم والأكل، والحنجرة والأسنان والشفتان آلات للكلام والمضغ وغير ذلك، والقلب محل الشهوة والعلم والإرادة، والمعدة للغذاء والهضم، والعروق للدم والمنافذ لتصل المنافع إلى كل عضو لتقدر الفصول والأوعية لحملها، والكبد للتخليص، والفروج للتناسل، والأعصاب للحركات والسكنات التي بها تحصل التصرفات، والشرايين للتنفس، والعضلات للمد والجذب؛ لأنه لا يتم التصرف إلا به، والدماغ لأنواع من المنافع، وغير ذلك مما لا يمكن ضبطه إلا لمن خلقه كما قال تعالى: ?ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير?[الملك:14].
ويقال لهم: ثم هذه الحواس أليس الأصل من نطفة، وعندكم الطبايع حاصلة في الجميع، فما بال واحد يسمع وواحد يرى وواحد يشم وآخر يذوق وآخر يدرك الحرارة والبرودة، ثم ركب كل واحد على هيئة مخالفة للأخرى، وجعل لبعض ذلك بنية ولبعضها بنية مخصوصة، أو يحصل مثل ذلك من غير قادر عالم على ما قال تعالى: ?وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون?[السجدة:9]، وعن علي - عليه السلام -: "عجبا لابن آدم يبصر بشحم، ويسمع بخرم، ويتكلم بلحم".
مخ ۴۹