ويقال لهم: أليس العقلاء مختلفين في الديانات؟ فلا بد من: بلى، فيقال: كيف يجوز على الجماعة الكثيرة العناد، وإظهار خلاف ما يبطن ويعلم؟.
ويقال لهم: المعارف فعل العبيد، أو فعل الله تعالى فيهم؟ فإن قالوا فعل العبيد فهو قولنا، وإن قالوا فعل الله.
قلنا: فما معنى نصب الأدلة؟ وما معنى النظر في الأدلة؟ وما معنى حل الشبهة؟.
فإن قالوا: هب أنه واجب، فلم زعمتم أنه أول الواجبات؟.
قلنا: لأن سائر المعارف مبنية عليه؛ لأن معرفة أفعاله، ومعرفة النبوات والشرائع لا يصح إلا بعد معرفته تعالى.
فإن قال: أليس القصد إلى أن النظر أول الواجبات، وقد يجب رد الوديعة عند المطالبة، ويلزمه ترك القبائح؟.
قلنا: أما القصد فمن توابع النظر، وليس بمقصود في نفسه، وأما الوديعة فقد ينفك المكلف عنها، وغرضنا الواجب الذي لا ينفك عنه المكلف، فأما ترك القبائح فليس بفعل، وإنما الواجب الكف عنه، فلا يلزم شيء مما قال.
فإن قال: فالنظر فيماذا يجب؟.
قلنا: في الأدلة، حتى يحصل العلم، فإن عرضت شبهة يجب النظر فيها حتى يحلها إن كانت قادحة في الدليل، فإن لم تكن قادحة يجوز أن ينظر ويجوز أن لا ينظر، ويجب أن يكون عالما بالدليل على الوجه الذي يدل، ولا يعلم المدلول وينظر نظرا صحيحا حتى يحصل له العلم.
مخ ۳۹