مسألة في حدوث العالم
العالم بما فيه من الأجسام والأعراض محدث لا قديم، إلا الله تعالى، وخالفنا فيه الدهرية والطبايعية والمنجمون، فمنهم من زعم أن الهيولى قديم، ومنهم من قال: الطبائع، ومنهم من قال: الأفلاك والنجوم، وبينهم في ذلك اختلاف كثير مع اتفاقهم على القول شيء قديم غير الصانع، إما طبيعة وهيولى، أو نجم أو طبيعة، والدلائل على حدوث الأجسام ونحوه كثيرة نشير إلى بعضها:
يقال لهم: من الدليل عليه أن هذه الأجسام لا تخلو من الأعراض ولم تسبقها التي هي الأكوان، كالحركات والسكنات والإجتماعات والإفتراقات، وهذه الأعراض محدثة، فوجب أن يكون حكم الجسم في الوجود حكم هذه الأعراض وهي أن يكون محدثا.
فإن قالوا: نحن لا نثبت الأعراض فلا يلزمنا ما قلتم.
قلنا: أليس يتحرك الجسم الساكن ويسكن الجسم المحترك، ويفترق المجتمع ويجتمع المفترق، ويكون في جهة فيصير في جهة أخرى؟ فلا بد من بلى؛ لأن دفعها دفع العيان والضرورة.
ويقال: أليس تتجدد هذه الصفة على الجسم مع جواز أن لا تتجدد؟.
فإن قال: لا، بل يجب تجددها.
قلنا: لو وجب لما وقف على اختيار مختار، ولما حصل بحسب قصده وداعيه، ولأنه لو وجب لكان لا يدل على كونه قادرا وعالما، ولكان يجوز أن يحصل من أضعف خلق الله نقل جبل، بأن يتفق لقصده وجوب انتقاله، ولا يقدر القوي على نقل خردلة، وفي فساده دليل على أن هذه ليست بواجبة، وإن قال: هو جائز.
قلنا: فلم صار بإحدى الصفتين أولى منه بالأخرى إلا لمعنى، ولا يقال أنه بالفاعل؛ لأن القدرة على صفة الذات تتبع القدرة على الذات، ونحن لا نقدر على ذات الجوهر كذلك على صفاته، دليله كلامه وكلام غيره، فلم يبق إلا أنه لوجود معنى.
مخ ۴۰