ويقال لهم: أليس الأنبياء ابتدأوا بالدعاء إلى التوحيد، وحثوا أممهم على النظر في صنعه، وجادلوهم في ذلك؟ فإن قالوا: لا. كابروا، فالقرآن ينطق بذلك في قصص الأنبياء في مواضع جمة: ?فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره?[الأعراف:59]، ثم نبه على أدلة مختلفة، فقال في موضع: ?وهو الذي أنشأ لكم?[المؤمنون:78]، وقال في موضع: ?واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون ، أمدكم بأنعام وبنين ، وجنات وعيون?[الشعراء:132-134]، إلى غير ذلك.
وإن قالوا: نعم.
قلنا: فإذا هو أول الواجبات.
ثم يقال لهم: بم عرفتم بطلان النظر وصحة التقليد؟ فإن قالوا بالنظر ناقضوا، وإن قالوا بالتقليد بقي السؤال وتسلسل الكلام.
ويقال لهم: العاقل إذا حزبه أمر عظيم وعرته مخافة إلى ماذا يفزع؟.
فإن قالوا: إلى تقليد الناس.
قلنا: فالناس مختلفون.
فإن قال: يقلد طائفة.
قلنا: فلعل هلاكه فيه، كمن يشير عليه باقتحام مهلكة.
فإن قال: بل ينظر ويميل إلى الأولى.
قلنا: فقل مثله في أمور الدين.
ويقال: لأصحاب الضرورة للعلوم الضرورية علامات، منها استواء العقلاء فيها، ومنها أنها لا تنتفي بشك وشبهة، ومنها حصولها من غير نظر، وهذه الثلاثة معدومة في باب معرفة الديانات. فكيف يكون ضروريا؟.
فإن قال: عند النظر يقع طباعا.
قلنا: ما معنى هذا؟ فإن أردت أن الله يخلقه فيه فهو الضروري الذي بينا ويجب أن لا ينتفي بالشك والشبهة، كالعلم بمخبر الأخبار والصانع، وإن أراد يتولد عن النظر فهو ما قلنا، وإن أراد غيره فيجب أن يبين، ولا يعقل سوى ما قلنا.
ويقال لهم: إذا كانت المعارف ضرورية وجب أن يكون الجاهل معذورا.
مخ ۳۸