قلنا: لما كانت الواو من علامة الجمع كان الضم أدل عليها، وأشكل بها؛ لأنها زيدت بمعنى الجمع، فزيد بما هو أدل على الجمع، وقيل: لما كانت تلزمها الضمة قبلها - ما لم يعترض عليه - ثم احتيج إلى تحريكها حركت بالضم ليدل الضم فيها على الضم قبلها، فأما (لو استطعنا) فهو، على أصل الحركة في التقاء الساكنين.
ويقال: لم دخلت الفاء في قوله: (فما ربحت تجارتهم)؟
قلنا: لأن في الكلام معنى الجزاء وجوابه، كأنه قال: إذا اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجاوتهم، فحمل الكلام على المعنى.
* * *
(المعنى)
ثم بين تعالى ما هم عليه من الضلالة والخسران، فقال: أولئك يعني المنافقين، الذين تقدم ذكرهم الذين اشتروا الضلالة بالهدى استبدلوا الكفر بالإيمان.
ومتى قيل: كيف قال ذلك وهم لم يكونوا على هدى قط؟
قلنا: للعلماء فيه وجوه: أولها: أن المراد ب اشتروا اختاروا واستحبوا؛ لأن كل مشتر مختار لما اشتراه على ما بذله، وليس بالظاهر في كلام العرب اشتروا بمعنى اختاروا.
وثانيها: أنهم آمنوا ثم كفروا، فهو عموم أريد به الخصوص، عن مجاهد، وليس بالجيد؛ لأنه صرف الكلام عن ظاهره من غير حجة، ولأن سياق الصفة على خلاف ما قال.
وثالثها: تركوا الإيمان إلى الكفر، واستبدلوه به، عن ابن عباس وابن مسعود وأبي علي وجماعة، وهو الأولى.
ورابعها: أنهم ولدوا على الفطرة كما جاء في الخبر، فتركوا ذلك إلى الكفر، فكأنهم استبدلوا الكفر.
وخامسها: استبدلوا بالإيمان الذي كانوا عليه قبل البعثة؛ لأنهم كانوا يؤمنون بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويبشرون به، فلما بعث كفروا به، فكأنهم استبدلوا الكفر بالإيمان، عن مقاتل والكلبي.
مخ ۲۶۱