ثم كذب تعالى اليهود في قولهم: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة وقال تعالى: (بلى) ليس الأمر كما قالوا، ولكن من كسب سيئة بمعنى اقترف معصية، واختلفوا في السيئة فقيل: من الشرك، عن مجاهد، وقيل: الذنوب التي وعد عليها النار، عن السدي، وهو الوجه؛ لعموم اللفظ. وقيل: الكبيرة الموجبة، عن الحسن وقتادة وأحاطت به يعني أحدقت به من كل جانب، واختلفوا في معناه، قيل: سدت عليهم مسالك النجاة، وذلك دلالة على ما لا يغفر من الذنوب، عن ابن السراج. وقيل: دل بالإحاطة على معنى الكبيرة، عن أبي علي. وقيل: أحاطت به خطيئته أي أوبقته ذنوبه، يعني أهلكته، عن الكلبي. وقيل: أحاطت بما له من حسنة فأحبطتها، عن ابن عباس. خطيئته قيل: هي الشرك، عن ابن عباس وأبي العالية وابن زيد والضحاك. وقيل: الذنوب الكبيرة، عن الحسن وأبي علي. وقيل: هو الإصرار على الذنب، عن عكرمة ومقاتل وأبي مسلم.
ومتى قيل: أليس السيئة والخطيئة بمعنى، فلماذا كرر؟
قلنا: تقدير الآية: بلى من كسب سيئة وأحاطت به تلك السيئة، وخولف بين اللفظين؛ لأنه أحسن وأفصح.
ويقال: أليس كل كبيرة محبطة، فما معنى: وأحاطت به خطيئته؟
قلنا: لأن الصغيرة سيئة، فشرط في استحقاق النار كونها كبيرة.
فأولئك أصحاب النار يعني يصحبون النار ويلازمونها هم فيها خالدون يعني دائمون أبدا، عن ابن عباس والحسن وجماعة.
* * *
(الأحكام)
الآية تدل على أمور: منها: أن الكبيرة يستحق فاعلها النار.
وتدل على الإحباط؛ لأن الإحاطة إذا لم يمكن حمله على الإحاطة بالجسم كان معناه الإحاطة بطاعاته. وأنه يحبطها.
ويدل قوله: فأولئك أصحاب النار على أنه لا يدخلها سواهم، وذلك يبطل قولهم في أطفال المشركين.
ويدل قوله: هم فيها خالدون على دوام العقاب، فيبطل قول المرجئة.
مخ ۴۵۹