163

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

فهذا الإسلام المسئول غير ما هو المتداول المتبادر عندنا منه، فإن الإسلام مراتب والدليل على أنه ذو مراتب قوله تعالى: "إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت" الآية حيث يأمرهم إبراهيم بالإسلام وقد كان مسلما، فالمراد بهذا الإسلام المطلوب غير ما كان عنده من الإسلام الموجود، ولهذا نظائر في القرآن.

فهذا الإسلام هو الذي سنفسره من معناه، وهو تمام العبودية وتسليم العبد كل ما له إلى ربه، وهو إن كان معنى اختياريا للإنسان من طريق مقدماته إلا أنه إذا أضيف إلى الإنسان العادي وحاله القلبي المتعارف كان غير اختياري بمعنى كونه غير ممكن النيل له - وحاله حاله - كسائر مقامات الولاية ومراحله العالية، وكسائر معارج الكمال البعيدة عن حال الإنسان المتعارف المتوسط الحال بواسطة مقدماته الشاقة، ولهذا يمكن أن يعد أمرا إلهيا خارجا عن اختيار الإنسان، ويسأل من الله سبحانه أن يفيض به، وأن يجعل الإنسان متصفا به.

على أن هنا نظرا أدق من ذلك، وهو أن الذي ينسب إلى الإنسان ويعد اختياريا له، هو الأفعال، وأما الصفات والملكات الحاصلة من تكرر صدورها فليست اختيارية بحسب الحقيقة، فمن الجائز أو الواجب أن ينسب إليه تعالى، وخاصة إذا كانت من الحسنات والخيرات التي نسبتها إليه تعالى، أولى من نسبتها إلى الإنسان، وعلى ذلك جرى ديدن القرآن، كما في قوله تعالى: "رب اجعلني مقيم الصلوة ومن ذريتي": إبراهيم - 40، وقوله تعالى: "وألحقني بالصالحين": الشعراء - 83، وقوله تعالى: "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي، وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضيه": النمل - 18، وقوله تعالى: "ربنا واجعلنا مسلمين لك" الآية، فقد ظهر أن المراد بالإسلام غير المعنى الذي يشير إليه قوله تعالى: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم": الحجرات - 14، بل معنى أرقى وأعلى منه سيجيء بيانه.

قوله تعالى: وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، يدل على ما مر من معنى الإسلام أيضا، فإن المناسك جمع منسك بمعنى العبادة، كما في قوله تعالى: "ولكل أمة جعلنا منسكا": الحج - 34، أو بمعنى المتعبد، أعني الفعل المأتي به عبادة وإضافة المصدر يفيد التحقق، فالمراد بمناسكنا هي الأفعال العبادية الصادرة منهما والأعمال التي يعملانها دون الأفعال، والأعمال التي يراد صدورها منهما، فليس قوله: أرنا بمعنى علمنا أو وفقنا، بل التسديد بآرائه حقيقة الفعل الصادر منهما، كما أشرنا إليه في قوله تعالى: "وأوحينا إليهم فعل الخيرات، وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة": الأنبياء - 73، وسنبينه في محله: أن هذا الوحي تسديد في الفعل، لا تعليم للتكليف المطلوب، وكأنه إليه الإشارة بقوله تعالى: "واذكر عبادنا إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، أولي الأيدي والأبصار. إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار": ص - 46.

فقد تبين أن المراد بالإسلام والبصيرة في العبادة، غير المعنى الشائع المتعارف، وكذلك المراد بقوله تعالى: وتب علينا، لأن إبراهيم وإسماعيل كانا نبيين معصومين بعصمة الله تعالى، لا يصدر عنهما ذنب حتى يصح توبتهما منه، كتوبتنا من المعاصي الصادرة عنا.

مخ ۱۶۴