162

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

قوله تعالى: من آمن منهم، لما سأل (عليه السلام) لبلد مكة الأمن، ثم سأل لأهله أن يرزقوا من الثمرات، استشعر: أن الأهل سيكون منهم مؤمنون، وكافرون ودعاؤه للأهل بالرزق يعم الكافر والمؤمن، وقد تبرأ من الكافرين وما يعبدونه، قال تعالى "فلما تبين له أنه عدو لله تبرء منه": التوبة - 114، فشهد تعالى له: بالبراءة والتبري عن كل عدو لله، حتى أبيه، ولذلك لما استشعر ما استشعره من عموم دعوته قيدها بقوله من آمن منهم - وهو يعلم أن رزقهم من الثمرات لا يتم من دون شركة الكافرين على ما يحكم به ناموس الحياة الدنيوية الاجتماعية - غير أنه خص مسألته - والله أعلم بما يحكم لسائر عباده، ويريد في حقهم، فأجيب (عليه السلام) بما يشمل المؤمن والكافر، ووفيه بيان أن المستجاب من دعوته ما يجري على حكم العادة وقانون الطبيعة من غير خرق للعادة، وإبطال لظاهر حكم الطبيعة، ولم يقل: وارزق من آمن من أهله من الثمرات لأن المطلوب استيهاب الكرامة للبلد لكرامة البيت المحرم، ولا ثمرة تحصل في واد غير ذي زرع، وقع فيه البيت، ولو لا ذلك لم يعمر البلد، ولا وجد أهلا يسكنونه.

قوله تعالى: ومن كفر فأمتعه قليلا، قرىء فأمتعه من باب الإفعال والتفعيل والإمتاع والتمتيع بمعنى واحد.

قوله تعالى: ثم اضطره إلى عذاب النار إلخ، فيه إشارة إلى مزيد إكرام البيت وتطييب لنفس إبراهيم (عليه السلام)، كأنه قيل: ما سألته من إكرام البيت برزق المؤمنين من أهل هذا البلد استجبته وزيادة، ولا يغتر الكافر بذلك أن له كرامة على الله، وإنما ذلك إكرام لهذا البلد، وإجابة لدعوتك بأزيد مما سألته، فسوف يضطر إلى عذاب النار، وبئس المصير.

قوله تعالى: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل، القواعد جمع قاعدة وهي ما قعد من البناء على الأرض، واستقر عليه الباقي، ورفع القواعد من المجاز بعد ما يوضع عليها منها، ونسبة الرفع المتعلق بالمجموع إلى القواعد وحدها.

وفي قوله تعالى: من البيت تلميح إلى هذه العناية المجازية.

قوله تعالى: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، دعاء لإبراهيم وإسمعيل، وليس على تقدير القول، أو ما يشبهه، والمعنى يقولان: ربنا تقبل منا إلخ، بل هو في الحقيقة حكاية المقول نفسه، فإن قوله: يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل حكاية الحال الماضية، فهما يمثلان بذلك تمثيلا كأنهما يشاهدان وهما مشتغلان بالرفع، والسامع يراهما على حالهما ذلك ثم يسمع دعاءهما بألفاظهما من غير وساطة المتكلم المشير إلى موقفهما وعملهما، وهذا كثير في القرآن، وهو من أجمل السياقات القرآنية - وكلها جميل - وفيه من تمثيل القصة وتقريبه إلى الحس ما لا يوجد ولا شيء من نوع بداعته في التقبل بمثل القول ونحوه.

وفي عدم ذكر متعلق التقبل - وهو بناء البيت - تواضع في مقام العبودية، واستحقار لما عملا به والمعنى ربنا تقبل منا هذا العمل اليسير إنك أنت السميع لدعوتنا، العليم بما نويناه في قلوبنا.

قوله تعالى: ربنا واجعلنا مسلمين لك، ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، من البديهي أن الإسلام على ما تداول بيننا من لفظه، ويتبادر إلى أذهاننا من معناه أول مراتب العبودية، وبه يمتاز المنتحل من غيره، وهو الأخذ بظاهر الاعتقادات والأعمال الدينية، أعم من الإيمان والنفاق، وإبراهيم (عليه السلام) - وهو النبي الرسول أحد الخمسة أولي العزم، صاحب الملة الحنيفية - أجل من أن يتصور في حقه أن لا يكون قد ناله إلى هذا الحين، وكذا ابنه إسمعيل رسول الله وذبيحه، أو يكونا قد نالاه ولكن لم يعلما بذلك، أو يكونا علما بذلك وأرادا البقاء على ذلك، وهما في ما هما فيه من القربى والزلفى، والمقام مقام الدعوة عند بناء البيت المحرم، وهما أعلم بمن يسألانه، وأنه من هو، وما شأنه، على أن هذا الإسلام من الأمور الاختيارية التي يتعلق بها الأمر والنهي كما قال تعالى: "إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين": البقرة - 131، ولا معنى لنسبة ما هو كذلك إلى الله سبحانه أو مسألة ما هو فعل اختياري للإنسان من حيث هو كذلك من غير عناية يصح معها ذلك.

مخ ۱۶۳