عساه يرثي لفتًى قد خانهُ اصطبارهُ
متيَّم أذابهُ في بعدهِ تذكارهُ
وأظهرت أدمعهُ إذ كُتمتْ أسرارهُ
سقى الله أيامًا تقضَّت بقربه ... إذ الشمل مجموع وإذ أنا جارهُ
ليالي أضللتُ الهموم ولم أدعْ ... وقارًا ومن يهوى يضل وقارهُ
سقى زمان عهده من الحيا مدرارهُ
وسلم الله على العيش وأنتَ جارهُ
أيامَ همّي نازحٌ عنِّيَ وادكارهُ
ولا وقار والذي يهوى فما وقارهُ
وقلت:
قسمًا بحبك يا مناي وإنّه ... قسمٌ عليّ وإنْ هجرتَ عظيمُ
إنّي وإنْ شطَّ المزارُ وأشرف ال ... لاحي على عهدِ الودادِ مقيمُ
وقلت:
وحقّ ليال بتّ فيها منعّمًا ... بوصلك لا أخشى مقالة عاذلِ
لقد أخذت منِّي الصبابة حقّها ... وزادتْ وقد شطَّ المزارُ بلابلي
وقلت:
كتمتُ الذي ألقى فنمّت مدامعُ ... تخبِّرُ عذالي بما يضمر القلبُ
وعاتبت دهري فيك إذْ حال بيننا ... فيا طول أفراحي إذا نفع العتبُ
وقلت بديهًا، وقد اقتضت الحال ذلك:
جاريةٌ من ساكني العراق ... تضرمُ نارَ الهائمِ المشتاقِ
وتبعثُ الوجد إلى العشاقِ ... جائلة الوشاح والنطاقِ
ليس لجرحي في هواها راقِ ... والقلب منها الدهر في وثاقِ
تبسم عن عذب اللمى برّاقِ ... أشكو إليها لوعةَ الفراقِ
وحسرةً ترقى إلى التراق ... وأدمعًا يظللن في سياقِ
ومهجةً تذوب بالإحراقِ ... فالصبر فانٍ والغرامُ باقِ
أهَلْ يعودُ زمنُ التلاقي ... أيامَ وصلي ناضرُ الأوراقِ
وقلت:
هويتُها غانيةً ... قوامُها منعطفُ
الوجهُ منها روضةٌ ... والريقُ منها قرقفُ
في خدِّها للعاشقي ... ن روضُ حسنٍ أنفُ
ووجهها صبحٌ علي ... هِ ليلُ شعرٍ مسدفُ
لامَ عليها معشرٌ ... جهالةً وعنّفوا
وأنكروا وجدي وإنّ ... ي بالصوابِ أعرفُ
فالطرفُ عن جمالها ... فديتها لا يطرفُ
والقلبُ عن غرامهِ ... ووجده لا يصرفُ
تجحدُ قتلي في الهوى ... وخدها معترفُ
جائرةٌ في حكمها ... ما ضرّها لو تنصفُ
وقلت:
سلام على تلك العهود التي مضت ... وغصن التصابي بالتواصل مورقُ
إذِ الشملُ مجموع وحبِّي مساعد ... ووجه الأماني ناضر الحسن مورقُ
ليالي همِّي نازح وأسرّتي ... بنور ضياء الأنس والقرب تشرقُ
تدير عليّ الكأس خودٌ رُضابها ... وألفاظها والكأس خمرٌ معتّقُ
بديعة معنى الحسن فتّانة الصبا ... تُحبُّ على طول التجافي وتُعشقُ
يوسّع عذري العاذلون على الهوى ... وباعُ اصطباري في يد الهجر ضيّقُ
سأكتم وجدي خوفَ واشٍ وإنما ... دموعي بما أخفي من الوجد تنطقُ
ولم أنسَ إذْ بتنا حليفي صبابةٍ ... ونحن جميعًا عاشق ومعشّقُ
أحثحث كأسًا من مدام حبابها ... ثنايا بنشر من شذا المسك تعبقُ
فيا طيب ذاك العيش لو كان دائمًا ... ويا طيب ليل الوصلِ لولا التفرقُ
هذا البيت الأخير من قصيدة غراء للمخدوم الصاحب الأعظم علاء الدين صاحب الديوان، عز نصره، ضمنته هذه القصيدة وزينت عقدها بهذه الفريدة وجريت في نظمها على مذهبه وعملت بقول القائل: يأخذ من ماله ومن أدبه. وأبياته أعز الله نصره:
لذكر الحمى يصبو الفؤاد المشوّق ... وذكر الحمى يُصبي المحبّ ويقلقُ
إذا همّ طول العهد يبدي تسليًا ... أبتْ كبدُ حرّى وطرفٌ مؤرقُ
وكيف ومن أين السلوّ لعاشقٍ ... يحنّ إذا ناحَ الحمام المطوّقُ
وما بال قلبٍ يستهيم صبابةً ... إذا من جويرٍ بارقٌ يتألّقُ
تكاد إذا ما الوجد جدّد ذكرها ... وكيف ولا نسيان نفسي تزهقُ
سقاها الحيا ربعًا ودهرًا قد انقضى ... وللعينِ من ماءِ الشبيبةِ رونقُ
وللقلب من بعد النوائب مغربٌ ... وللعين من بعد الأحبةِ مشرقُ
فيا طيب ذاك العيش لو كان دائمًا ... ويا طيب ليل الوصل لولا التفرقُ
1 / 56