وكنْ مسعدي فيما ألاقي من الأسى ... فهجرك يا كلَّ المنى ما نويته
أأظما غرامًا في هواك ولوعةً ... ولي دمعُ عين كالسحابِ بكيته
وحقّك يا من تهتُ فيه صبابةً ... ووجدًا ومن دون الأنامِ اصطفيته
فإني لا أنسى العهودَ التي مضت ... قديمًا ولا أسلو زمانًا قضيته
وقلت:
كيف خلاصي من هوى شادنٍ ... حكّمهُ الحسنُ على مهجتي
بعاده ناري التي تُتّقى ... وقربه لو زارَني جنتي
ما اتسعت طرقُ الهوى فيه لي ... إلاّ وضاقتْ في الهوى حيلتي
ليتَ ليالي وصله عدنَ لي ... يا حسرتا أين الليالي التي
وقلت:
وجهه والقوامُ والشعر الأس ... ودُ في بهجةِ الجبينِ النضيرِ
بدر تمّ على قضيبٍ عليه ... ليلُ دجنٍ من فوقِ صبحٍ منيرِ
وقلت:
نسيم الصّبا من عرفِ هندٍ يحدّثُ ... وهاروت عن أجفانها السحر ينفثُ
يذكّرُ إنْ هزَّت من القدِّ عاملًا ... رطيبًا وإنْ ماستْ دلالًا يؤنثُ
بعثت إليها محض حبّي فقابلت ... عليه فأضحت للصبابة تبعثُ
حفظت لها عهدًا فأضحى مضيّعًا ... ولا عجب عهد المليحة ينكثُ
تجلّت لنا كالبدر ليلة تمّه ... وساقي الندامى للمدامِ يحثحثُ
فلاحَ لعيني الشمس والبدر قارنا ... هلالًا فقلتُ السعد شكل مثلثُ
وقلت من أخرى، وهي من أشعار الصبا:
عنّ له من بارقٍ بارق ... فهامَ وجدًا وكذا العاشقُ
ورجّع الحادي بذكر الحِمى ... فطارَ شوقًا قلبهُ الخافقُ
هيمه أهيف حلو اللّمى ... قد صدّ حتى طيفهُ الطارقُ
رشيق قدٍّ سهمُ ألحاظهِ ... يكلّ قلبٍ نابلٌ راشقُ
صبري ضدّ الدمع في حبّه ... ذا مقصر عنّي وذا سابقُ
ولذّة العيش وطيب الكرى ... كلٌّ على هجرانه طالقُ
يا جيرة الجزع ومنْ فارقتْ ... جسمي حياتي عندما فارقوا
سياق نفسي وحمامي دنا ... لمّا حدا بالأينق السائقُ
وقلت، وهي من شعر الصبا:
برد بثغرك أم أقاحي ... والريق أم كاسات راحِ
والشعر أم ليل دجا ... والوجه أم ضوء الصباحِ
كلفي بفتَّان اللحاظ ... مهفهف قلق الوشاحِ
شاكي السلاح بمهجتي ... أفديه من شاكي السلاحِ
جُمل اشتياقي من سقا ... م جفونه المرضى الصحاحِ
يا من يفوق بقدّه ... أنَّى انثنى سُمر الرماحِ
رفقًا بذي كلفِ عقي ... دة دينه حبّ الملاحِ
صبّ أطاع غرامه ... في حبّه وعصا اللواحي
وقلت من أخرى:
وجدي بأقمار وأغصان ... بالكلف الدائم أغراني
فما على العاذل منّي وهل ... يطمع أن يوجدَ سُلواني
وبي غرير الطرف عذب اللّمى ... ناظره والسيف سيّانِ
معتدل القامة من لي به ... لو أنَّه حيّا فأحياني
نشوان من خمر الصبا أهيف ... أفديه من أهيف نشوان
وسنان طرفٍ سقمي والهوى ... من فاترِ المقلةِ وسنانِ
ما ضرَّ منْ أشهرني حبّه ... لو شفع الحسنَ بإحسانِ
قد عرف الوجد به طاعتي ... وبان للسلوان عصياني
وهمت بالبان ولولا الهوى ... بقدّه ما همت بالبانِ
وقلت أبياتًا تبعت فيها محيي الدين، ﵀، وقد تقدم شعره:
لأيّةِ حال والوفاءُ شعارهُ ... بدا ليَ منه صدُّهُ وازورارهُ
وكيف استحالت لا استحالت عهوده ... وأوحشني من بعد أنسِ نفارهُ
لأي حالٍ والوفاءُ دائمًا شعارهُ
أمرضني هجرانهُ وشفّني ازورارهُ
وكيف حال عهده ودرست آثارهُ
وأوحش الصبّ الذي آيسه نفارهُ
وما زلت أرعى عهد الهوى وودادَه ... وتطربني في القرب والبعد دارهُ
وما أضرمت نار فشبّ ضرامُها ... لعينيّ إلاّ قلت هاتيك نارهُ
رعيتُ عهده فما وفى به غدّارهُ
وهمتُ إذْ أطربني ملعبهُ ودارهُ
وما بدا لمعٌ فشبَّ عاليًا أُوارهُ
إلاّ وقلت من هوًى ها قد تبدّت نارهُ
حبيبٌ مُنايَ أنْ يزورَ خيالهُ ... ويقرب ناديه ويدنو مزارهُ
وأقصى الأماني أن يرقَّ لعاشقٍ ... جفا إذْ جفاه نومُه واصطبارهُ
شفاء قلبي أن يظلَّ دانيًا مزارهُ
1 / 55