وقال ثمامة: كان جعفر بن يحيى أنطق الناس، قد جمع الهدوء والتمهّل، والجزالة والحلاوة. ولو كان فى الأرض ناطق يستغنى عن الإشارة لكانه.
وقوله «١»: «متخيّر الألفاظ» . فمدار البلاغة على تخيّر اللفظ؛ وتخيّره أصعب من جمعه وتأليفه. وسنشبع الكلام فى هذا إن شاء الله.
وقوله: «يكون فى قواه فضل التصرف فى كل طبقة»، وهو أن يكون صائغ الكلام قادرا على جميع ضروبه، متكّنا من جميع فنونه، لا يعتاص «٢» عليه قسم من جميع أقسامه. فإن كان شاعرا تصرّف فى وجوه الشعر؛ مديحه وهجائه ومراثيه وصفاته ومفاخره، وغير ذلك من أصنافه.
ولاختلاف قوى الناس فى الشعر وفنونه ما قيل: كان امرؤ القيس أشعر الناس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب.
وكذلك الكاتب ربما تقدّم فى ضرب من الكتابة وتأخّر فى غيره، وسهل عليه نوع منها وعسر نوع آخر.
وأخبرنا أبو أحمد عن أبى بكر الصولى، قال: حدثنا القاسم بن إسماعيل، قال:
حدثنا إبراهيم بن العباس، قال: سمعت أحمد بن يوسف يقول: أمرنى المأمون أن أكتب إلى النواحى فى الاستكثار من القناديل فى المساجد فى شهر رمضان، فبتّ لا أدرى كيف أحتذى، فأتانى آت فى منامى فقال: قل: «فإنّ فى ذلك عمارة للمساجد، وأنسا للسابلة «٣»، وإضاءة للمتهجّدين، ونفيا لمكامن الرّيب، وتنزيها لبيوت الله جلّ وعزّ عن وحشة الظّلم» . فانتبهت وقد انفتح لى ما أريد، فابتدأت بهذا وأتممت عليه.
والمقدّم فى صنعة الكلام هو المستولى عليه من جميع جهاته، المتمكّن من
1 / 23