وقد بلغك ما أصاب عثمان بن عفّان رضى الله عنه أول ما صعد المنبر فأرتج عليه، فقال: إن اللّذين كانا قبلى كانا يعدّان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، وستأتيكم الخطبة على وجهها. ثم نزل.
وصعد بعض العرب منبرا بخراسان فأرتج عليه، فقال حين نزل «١»:
لئن لم أكن فيكم خطيبا فإننى ... بسيفى إذا جدّ الوغى لخطيب
ومن حسن الاعتذار عند الإرتاج ما أخبرنا به أبو أحمد، قال: أخبرنا الشطنى:
قال: أخبرنا الغلابى قال: أخبرنا العتبى عن أبيه؛ قال: خطب داود بن على، فحمد الله جلّ وعزّ وأثنى عليه وصلّى على النبى ﷺ فلما قال: «أما بعد»، امتنع عليه الكلام، ثم قال: أمّا بعد فقد يجد المعسر، ويعسر الموسر، ويفلّ الحديد، ويقطع الكليل،؛ وإنّما الكلام بعد الإفحام كالإشراق بعد الإظلام. وقد يعزب البيان، ويعتقم الصّواب؛ وإنما اللسان مضغة من الإنسان. يفتر بفتوره إذا نكل، ويثوب بانبساطه إذا ارتجل. ألا وإنا لا ننطق بطرا، ولا نسكت حصرا؛ بل نسكت معتبرين، وننطق مرشدين، ونحن بعد أمراء القول، فينا وشجت «٢» أعراقه، وعلينا عطفت أغصانه، ولنا تهدّلت ثمرته. فنتخيّر منه ما احلولى وعذب، ونطّرح منه ما املولح وخبث، ومن بعد مقامنا هذا مقام، وبعد أيامنا أيام، يعرف فيها فضل البيان، وفصل الخطاب، والله أفضل مستعان» .
ثم نزل «٣» .
وعلامة سكون نفس الخطيب ورباطة جأشه هدوءه فى كلامه، وتمهّله فى منطقه.
1 / 22