61

صديقه بنت صديق

الصديقة بنت الصديق

ژانرونه

ولكن ما الذي أصاب الجاني المدبر للدسيسة؟ ولم نجا من العقوبة؟ ولم لم يكشف للملأ لولا أنه من رجال الحاشية، وأن رجال الحاشية هم الذين ستروه وأنقذوه؟ وماذا لو أن الغلام الذي كان يحمل الأمر بالقتل وصل إلى مصر ولم يعترضه الشاكون في الطريق؟ ألم يكن القتل نافذا في محمد بن أبي بكر كأن الكتاب قد صدر من الخليفة بغير خلاف؟

فهذه الحاشية الحمقاء قد بدأت بالغض من مكانة السيدة عائشة لغير ضرورة محتومة ولا مفهومة، وانتهت بالتآمر على قتل أخيها لغير ذنب جناه، وسلكت في خلال ذلك مسلكا تأباه السيدة عائشة من الحاكمين وغير الحاكمين، وهو مسلك الإسراف والتهالك على الحطام.

فغير عجيب أن يكون للسيدة عائشة موقف عداء من تلك الحاشية، وأن تنادي على رأس المنادين بتبديل حكمها وتأليب الناس عليها، وأن تضيق ذرعا بعثمان؛ لأنه يمضي حيث مضت تلك الحاشية في جنفها وغلوائها.

قيل إنها تربصت به حتى أقبل يخطب الناس فدلت قميص النبي ونادت: «يا معشر المسلمين، هذا جلباب رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنته.»

ولم تذكر الحاشية الحمقاء مكانة السيدة عائشة، وأمان جوارها، وما يرجى من الخير في شفاعتها إلا بعد فوات كل فرصة، وضياع كل أمل، واستعصاء كل تدبير.

فلما حوصر عثمان وحيل بينه وبين الزاد والماء ذهبت أم حبيبة إلى داره وهي زميلة للسيدة عائشة من أمهات المؤمنين، فاعترض الثوار بغلتها وكانت معها إداوة ماء. قالوا: ما جاء بك؟ قالت: إن وصايا بني أمية عند هذا الرجل، فأحببت أن أسأله عنها لئلا تهلك أموال الأيتام والأرامل، وكانت أم حبيبة أموية من آل أبي سفيان، فاجترأ الثوار عليها وقالوا: كاذبة؟ وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فنفرت وكادت تسقط عنها، فتلقاها كرام الناس فأخذوها وذهبوا بها إلى بيتها.

وكانت السيدة عائشة قد كرهت المقام بالمدينة وهي على هذه الحال من الفتنة الطاغية، فتجهزت للحج واستصحبت أخاها محمدا فأبى وتخلف بالمدينة.

عند ذلك لجأ مروان بن الحكم - وهو رأس البلاء - إلى جوار السيدة عائشة التي كان يغري عثمان بها لاحتماء الناس ببيتها، فقال لها: يا أم المؤمنين، لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل ... فقالت: أتريد أن يصنعوا بي كما صنعوا بأم حبيبة ثم لا أجد من يمنعني؟ لا والله ولا أعبر ولا أدري إلى ما يسلم أمر هؤلاء.

وفي رواية أخرى: أن مروان هذا تذكر الجود بالمال في ذلك المأزق الميئوس منه، فذهب إلى السيدة عائشة يستبقيها لتصلح الأمر، فقالت: قد فرغت من جهازي وأنا خارجة للحج ... قال عندئذ: فيدفع لك بكل درهم أنفقته درهمين؛ فلم تملك عائشة نفسها على ما جاء في هذه الرواية أن تقول: «لعلك ترى أنني في شك من صاحبك، أما والله لوددت أني أطيق حمله فأطرحه في البحر!»

وليس أكثر ولا أغرب من الأحاديث التي نسبت إلى عائشة في خلال هذه الفتنة قبل خروجها من المدينة وبعد خروجها منها، وأشد هذه الأحاديث وأقساها أن بعضهم سمعها تقول: «اقتلوا نعثلا فقد كفر»، وأنها كانت تسأل من تلقاه أن يخذل الناس عن عثمان وشيعة عثمان.

ناپیژندل شوی مخ