60

صديقه بنت صديق

الصديقة بنت الصديق

ژانرونه

ولم يكن من شأن هذه السياسة من حاشية عثمان أن تكف السيدة عائشة عن نقد الولاة وقبول الشكاة، بل قربت هذه السياسة بينها وبين اللاجئين إليها. فلما شكا الناس من والي عثمان في مصر - عبد الله بن أبي سرح - واتهموه بقتل رجل ممن شكوه إلى الخليفة، فزعت وفود المصريين إلى بيت عائشة، فأرسلت إلى الخليفة تندد بواليه، وتقول له: تقدم إليك أصحاب رسول الله وسألوك عزل هذا الرجل فأبيت، فهذا قتل منهم رجلا فأنصفهم من عاملك.

وجعل وفود المصريين يلقون المصلين بالمسجد في أوقات الصلاة، ويبسطون لهم ظلامتهم وشكايتهم إلى أم المؤمنين وكبار الصحابة، فألحف كبار الصحابة على الخليفة في إنصافهم، وأثمرت غلطات الحاشية ثمرتها في توجيه الشاكين إلى طلب المزيد من حماية أم المؤمنين، فاختاروا محمد بن أبي بكر - أخاها - ليخلف عبد الله بن أبي سرح حين خيرهم الخليفة فيمن يؤثرونه للولاية بعده، ووقعت الطامة بعد ذلك بتدبير لا تعلم جليته حتى الآن، وإنما الرأي الراجح أنه من تدبير مروان بن الحكم على غير علم من عثمان ونصحائه المخلصين.

ذلك أن الوفود القافلة إلى أمصارها عثرت في طريقها بغلام يحمل كتابا في أنبوبة من رصاص وفيه أنه: «إذا أتاك محمد بن أبي بكر ومن معه فاحتل في قتلهم، وأبطل كتابه، وقر على عملك حتى يأتيك رأيي في ذلك إن شاء الله».

فأعقب هذا الكتاب ما لا بد أن يعقبه من الأثر في نفوس الصحابة وفي نفس السيدة عائشة وفي نفوس الوفود المتجمعة من الأمصار، وقذف بالفتنة القائمة يومئذ في طريق غير مأمون.

وظاهر من هذا العرض السريع أن اختلال الأحوال في عهد عثمان هو الذي تحول بالسيدة عائشة عن موقفها الأول من حكومة أبي بكر وعمر إلى موقف الاشتراك في السياسة العامة والمجاهرة بالنقد الشديد لحكومة عثمان وولاة عثمان وحاشية عثمان.

بل هو الذي جعل لها مهمة تطلبها وتسعى إليها، وهي مهمة الوساطة بين الشعب والخليفة أو مهمة الحماية لمن يجهرون بالشكوى ويخافون عقباها.

فلولا الحمق الذي اشتهرت به حاشية عثمان لما تركت السيدة عائشة في مكانتها العليا من الأمة الإسلامية وهي تشعر أنهم قد أنزلوها من الرعاية والمبالاة دون منازل بناتهم وزوجاتهم وأصحاب القرابة والزلفى لديهم.

ثم تمادى الأمر فلم يقبلوا من المسلمين أن يلوذوا ببيتها ويفزعوا إلى جوارها، ولو تناولوا الأمر بالرفق لاستفادوا من لياذهم بذلك البيت وفزعهم إلى ذلك الجوار.

وكانت الطامة الكبرى أن تأتمر الحاشية الحمقاء بحياة أخيها، وتنفذ إلى مصر من يأمر واليها بقتله وهو قادم من قبل الخليفة لولاية الحكم فيها.

ومن المحقق عندنا أن الخليفة نفسه براء من هذه الدسيسة التي يتورع عنها مثله في بره وتقواه؛ فإن الرجل الذي تورع عن إهراق قطرة دم في سبيل الدفاع عن حياته، والخطر محدق به من جميع جهاته، لن يأمر بسفك دم ابن صديقه وزميله، ولا ذنب له إلا أن الشاكين ندبوه للولاية حين سألهم عمن يختارونه فأجابهم لما ندبوه إليه.

ناپیژندل شوی مخ