ويفارق القسم الثاني بأن (1) الذهن وإن لم يضطر في تصور المقدار إلى أن يجعل له مادة مخصوصة ، فالقياس والعقل لا يضطره إليها (2) أيضا ، إذ الذهن يستغنى في نفس تصور المقدار عن (3) تصوره في المادة. والقياس لا يوجب أيضا أن يكون للمقدار اختصاص بمادة نوعية معينة ، لأن المقدار لا يفارق شيئا من المواد ، فليس مما يكون خاصا بمادة (4)، ومع ذلك فهو مستغن في التوهم والتحديد (5) عن المادة. وقد ظن (6) أن البياض والسواد هذا حكمه (7) أيضا ، وليس كذلك ، فإنه لا التصور التخيلى (8) ولا الرسوم ولا الحدود المعطاة لها (9) تغنى عن ذلك إذا حقق واستقصى ، وإنما يتجردان بمعنى آخر وهو أن المادة ليس (10) جزء قوامهما كما هو (11) جزء قوام المركب (12)، لكنه (13) جزء حديهما. وكثير من الأشياء يكون جزء حد الشيء ولا يكون جزءا من قوامه إذا كان حده يتضمن نسبة ما إلى شيء خارج عن وجود الشيء.
وقد شرح هذا المعنى (14) في كتاب البرهان ، فصناعة الحساب وصناعة الهندسة صناعتان لا تحتاجان في إقامتهما البراهين أن تتعرضا (15) للمادة الطبيعية أو تأخذا مقدمات تتعرض للمادة بوجه ، لكن صناعة الكرة (16) المتحركة وأشد منها صناعة الموسيقى ، وأشد منها صناعة المناظر ، وأشد من ذلك صناعة الهيئة تأخذ المادة أو شيئا (17) من عوارض المادة ، وذلك لأنها (18) تبحث عن أحوالها (19)، فمن الضرورة أن (20) تأخذها (21). وذلك لأن هذه الصناعات إما أن تبحث عن عدد لشيء (22) أو مقدار (23) أو شكل (24) في شيء ، والعدد والمقدار والشكل عوارض لجميع الأمور الطبيعية. ويعرض مع العدد والمقدار (25) اللواحق الذاتية أيضا بالعدد والمقدار ، فإذا أريد أن يبحث عما يعرض من أحوال العدد والمقدار في أمر من الأمور الطبيعية لزم ضرورة أن يلتفت (26) إلى ذلك الأمر الطبيعى وكأن الصناعة الطبيعية (27) صناعة بسيطة والصناعة (28) التعليمية التي هى حساب صرف وهندسة صرفة صناعة بسيطة ويتولد ما بينهما صنايع موضوعاتها من صناعة ومحمولات المسائل فيها من صناعة. وإذا (29) كان بعض العلوم
مخ ۴۵