فيكون النظر في طبيعة العدد من حيث هى كذلك نظرا رياضيا ، وأما (1) المقادير فإنها تشارك المتعلقات بالمادة وتباينها (2)، أما مشاركتها للمتعلقات بالمادة فلأن المقادير هى من (3) المعانى القائمة في المادة لا محالة ، وأما مباينها فمن جهات. من ذلك (4) أن من الصور الطبيعية ما يظهر من أمره في أول الأمر أنه لا يصلح أن يكون عارضا لكل مادة اتفقت مثل الصورة التي للماء من حيث هى (5) ماء ، فإنها مستحيلة (6) أن توجد في المادة الحجرية من حيث هى على مزاجها لا كالتدوير الذي يصح (7) أن يحل المادتين جميعا وأى مادة كانت ، والصورة (8) الإنسانية وطبيعتها فإنها مستحيلة (9) أن توجد في المادة الخشبية ، وهذا أمر لا يلزم الذهن في تحققه (10) كثير تكلف ، بل يقرب (11) مناله (12)، ومنها ما لا يستحيل في بادى النظر أن يعرض لأى مادة اتفقت مثل البياض والسواد وأشياء من هذا الجنس ، فإن الذهن لا يستوحش من إحلالها أية مادة اتفقت ، لكن العقل والنظر يوجبان من بعد أن طبيعة البياض والسواد (13) غير عارضة إلا لمزاج واستعداد مخصوص ، وأن المستعد للتسود بمعنى التلون لا بمعنى التصبغ ليس قابلا للبياض الذي بذلك المعنى لأمر في مزاجه وغريزته ، لكنهما وإن كانا (14) كذلك فلا يتصور ولا واحد منهما في الذهن إلا مقارنا لأمر ليس هو هو ، وذلك الأمر هو السطح أو المقدار المباين للون في المعقول. ثم قد يتشارك أيضا هذان القسمان المذكوران في أمر ، وهو أن الذهن لا يعقل (15) واحدا منهما إلا وقد (16) لحقه خاصية نسبة إلى أمر آخر يقارن (17) ذاته كالموضوع. فإن الذهن إذا أحضر صورة الإنسان (18) لزمه أن يحضر معها نسبة لها إلى مادة مخصوصة لا تتخيل إلا كذلك. والبياض أيضا إذا أحضره التصور أحضر معه انبساطا هو فيه ضرورة وأبى (19) أن يتصور بياضا (20) إلا تصور (21) قدرا. ومعلوم أن البياضية غير القدرية ، ونجعل نسبة البياضية (22) إلى القدرية شبيهة بنسبة شيء إلى أمر موضوع له. ثم المقدار يفارق هذين الصنفين فيما يشتركان فيه ، إذ الذهن يقبل (23) المقدار على أنه مجرد ، وكيف لا يقبله (24) وهو محتاج إلى استقصاء (25) في البحث حتى ينكشف له أن المقدار لا يوجد إلا في مادة ويفارق القسم الأول (26) بشيء يخصه ، وهو أن الذهن إذا تكلف نسبة المقدار إلى المادة لم يضطر إلى (27) أن يعد له (28) مادة مخصوصة
مخ ۴۴