ولكل كائن أصل يستحقه بقوته المدبرة لبدنه. فإنها قوة جسمية متناهية بتناهى فعلها ضرورة. ولو كانت غير متناهية لكانت المادة لا تحفظ الرطوبة، إلا إلى أجل لأسباب محللة للرطوبة خارجة وباطنة، وأسباب عائقة عن الاعتياض مما يتحلل. ولكل قوة من قوى البدن، ولكل مادة، حد يقتضيه كل واحد منهما، ولا يحتمل مجاوزته،
وذلك إن جرت أسبابها على ما ينبغى، هو الأجل الطبيعى. وقد تعرض أسباب أخرى من حصول المفسد أو فقدان النافع المعين، فيعرض لتلك القوة أن تقصر فى فعلها عن الأمد. فمن الآجال طبيعة، ومنها اخترامية، وكل بقدر.
وجميع الأحوال الأرضية منوطة بالحركات السماوية، وحتى الاختيارات والإرادات فإنها، لا محالة أمور تحدث بعد ما لم تكن. ولكل حادث بعدما لم يكن علة وسبب حادث. وينتهى ذلك إلى الحركة؛ ومن الحركات إلى الحركة المستديرة.
فقد فرغ من إيضاح هذا. فاختياراتنا أيضا تابعة للحركات السماوية. والحركات والسكونات الأرضية المتوافية على اطراد متسق، تكون دواعى إلى القصد وبواعث عليه، وهذا هو القدر الذى أوجبه القضاء.
والقضاء هو الفعل الأولى الإلهى الواحد المستعلى على الكل الذى منه ينشعب المقدرات. وإذا كان كذلك، فالحرى لأن يشكل على الناظرين أمر العود، وأنه هل يجب، إذا عاد إلى فلك شكل بعينه كما كان، أن تعود الأمور الأرضية إلى مثل ما كان أما عود ما بطل بعينه بالشخص فذلك مما لا يكون، ولا الشكل بعينه يعود بالعدد، ولا الأمور الأرضية تعود بأعيانها بالعدد؛ فإن الغائب لا يعود بعينه. والذى يخالف فى هذا فسبيله أن يستحى من نفسه، إلى أن تكشف فضيحته فى الفلسفة الأولى. فمن الناس من أوجب هذا العود المماثل.
مخ ۱۹۶