92

كان من حكم كونه قادرا صحة الفعل ومن حكم كونه عالما صحة الفعل على وجه الإحكام والاتساق وهما مختلفان علمنا باختلافهما اختلاف الصفتين. إذا ثبت هذا ، ومعلوم أن حكم كونه قادرا صحة الفعل ، وحكم كونه حيا صحة الإدراك ، وهما مختلفان ، وجب في الصفتين أيضا أن تكونا مختلفتين ، ولا يمكن معرفة اختلافهما إلا بهذه الطريقة ، إذ الإدراك لا يتناولهما ولا هما يوجدان من النفس.

فإن قيل : إن هذين الحكمين على اختلافهما يرجعان إلى صفة واحدة وهي كونه قادرا ويستندان إليها ، كما أن صحة إدراك الجوهر بحاستين واحتمال الأعراض ومنعه مثله أن يحصل بحيث هو مستند إلى صفة واحدة وهي التحيز ، وإن كانت الأحكام مختلفة.

قلنا : هذا غير صحيح وذلك لأن أحد الحكمين ينبئ عن صفة مختلفة في الذوات وهي صحة الفعل ، والحكم الآخر ينبئ عن صفة متماثلة وهي صحة الإدراك ، فلو كان المرجع بالحكمين إلى صفة واحدة. لوجب في الصفة وهي واحدة أن تكون مختلفة متماثلة في الذوات ، وهذا لا يجوز.

يبين ما ذكرناه ويوضحه ، أن ما صح فعله من زيد لا يصح إلا منه ، وليس كذلك ما يدركه زيد ، فإنه ما من مدرك إلا ويصح أن يدركه ، فكيف يصح في هذين الحكمين أن يكونا راجعين إلى صفة واحدة.

وبعد ، فلو كان المرجع بالحكمين إلى صفة واحدة ، لوجب في كل من صح فيه الإدراك أن يصح منه الفعل والمعلوم خلافه ، فإن المريض المدنف مع أن إدراكه أقوى من إدراك الصحيح السليم ، قد لا يتأتى الفعل منه على الحد الذي يتأتى من الصحيح.

وبعد فلو كان المرجع بالحكمين إلى صفة واحدة ، لوجب في كل عضو يصح به الإدراك أن يصح به الفعل ابتداء فيجب أن يتأتى الفعل من شحمة الأذن ابتداء ، ومعلوم خلافه.

فإن قيل : لا يصح ذلك لمنع وهو فقد المفصل ، قلنا : إن تختص ما به الشحمة من الرخاوة والغضروف من الصلابة ، يجري مجرى المفصل ، فكان يجب أن يتأتى بها الفعل لو كان المنع ما ذكرتموه ، وقد عرف خلافه.

مخ ۱۰۷