فإن قيل : فما أنكرتم أن العالم القادر في الشاهد إنما يجب كونه حيا ، لأنه عالم بعلم ، قادر بقدرة ، والعلم والقدرة معينان يرجع حكمهما إلى الجملة ، والجملة لا تعتبر إلا بالحياة ، وليس كذلك القديم تعالى لأنه شيء واحد لا ثاني له فلا يحتاج إلى الحياة ، فلا يجب أن يكون حيا؟ قلنا : إنما قلنا إن العالم القادر في الشاهد إنما وجب كون حيا لتعلق بين هاتين الصفتين ، لا لما ذكرتموه.
فإن قيل : كونه عالما قادرا فرع على كونه حيا ، والاستدلال بكونه قادرا عالما عليه ، استدلال بفرع الشيء على أصله ، قلنا : إنما كان يلزم لو لم نعلم كونه عالما قادرا ما لم نعلم كونه حيا ، وليس كذلك ، فإن العلم لا يجب مطابقته للمعلوم في الترتيب ، بل ربما يطابقه كما في كونه حيا مع كونه مدركا ، وربما لا يطابقه كما في كونه قادرا مع صحة الفعل ، وكما في كونه حيا مع كونه عالما قادرا. يبين ذلك ويوضحه ، أن القديم تعالى وكونه قادرا أصل لحدوث العالم ، وحدوث العالم فرع على الله وعلى كونه قادرا ، ثم إنا نستدل بحدوث العالم على الله تعالى ، لا ذلك إلا أنه لا يجب في العلم أن يكون مطابقا للمعلوم في الترتيب.
فإن قيل : إن الواحد منا إذا كان حيا كما صح أن يكون عالما قادرا ، يصح أن يكون مشتهيا ونافرا ، فجوزوا مثل ذلك في الغائب وإلا فما الفرق؟ قلنا : الفرق أن كونه حيا إنما يصحح كونه مشتهيا ونافرا بشرط جواز الزيادة والنقصان عليه ، والزيادة والنقصان لا يجوزان على الله تعالى ، فلا يجب إذا كان حيا صحة أن يكون مشتهيا ونافرا. وليس كذلك في كونه قادرا وعالما ، لأن كونه حيا إنما نصححهما لا بشرط ، ففارق أحدهما الآخر ، وجرى ما ذكرته مجرى أن يقال : إذا كان الله تعالى حيا لزمه صحة أن يكون جاهلا ، لأن كونه حيا كما يصحح كونه عالما يصحح كونه جاهلا ، فكما أنا نقول إن كونه حيا إنما يصحح كونه جاهلا بشرط أن لا يجب كونه عالما ، فهذا الشرط مفقود في حق القديم تعالى ، كذلك في مسألتنا.
فإن قيل : هذا كله ينبني على أن كونه حيا صفة زائدة على كونه قادرا ، والمخالف لا يساعدكم عليه ، فبينوا ذلك وإلا كنتم مستدلين بالشيء على نفسه ، قيل له : إن الذي يعرف به اختلاف الصفتين لا يعدو أحد أمور ثلاثة ، إما الإدراك على مثل ما نقوله في السواد والبياض أنهما مختلفين لأن الإدراك يقتضي اختلافهما ، وإما الوجدان من من النفس ، وإما اختلاف الحكمين على مثل ما نقوله في كونه قادرا وعالما فإنه لما
مخ ۱۰۶