من الأصوليين، ونسب إلى الغزالي والجويني، واعلم ثانيا: أن قول من قال، أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، لا يخلو قولهم هذا من أحد أمرين؛ لأنهم إما أن يريدوا به أن الأمر نهي عن ضده من طريق اللفظ، وهو باطل؛ لاتفاق أهل اللغة، على أن الأمر بالشيء، لا يسمى نهيا عن ضده، فإن العرب وضعوا الكل واحد، من الأمر والنهي صيغا، ولم يرد عنهم مطلقا، اسم كل واحد منهما على معنى الآخر، وإما أن يريدوا به أن الأمر بالشيء نهي عن ضده في المعنى، بحيث يكون ضد المأمور به مكروها للآمر وقبيحا عنده، وهذا باطل أيضا؛لأن النوافل مأمور بها، وضدها وهو ترك النوافل، ليس بمنهي عنه، فإن قيل أن الأمر بالنوافل، أمر مجاز لا حقيقة، والكلام في الأمر الحقيقي، قلنا لا نسلم أن الأمر بالنوافل مجاز، بل هو حقيقة أيضا، كما قدمنا لك في حد الأمر، وإنما قلنا أن حكم الأمر الوجوب، ما لم تصرفه قرينة إلى غيره، لما قدمناه من الأدلة الخارجة عن الأمر، حاصل الجواب أن الأمر حقيقة في طلب إيقاع الفعل، لا على جهة الدعاء، وهذا القدر يشترك فيه الوجوب وغيره، وصرفناه إلى الوجوب، عند عدم القرينة؛ للدلالة المتقدم ذكرها، فكون حكم الأمر حقيقة في الوجوب، غير كون الأمر حقيقة للوجوب، فتفطن له، سلمنا أن الأمر في النفل مجاز، فأدنى مراتبه الندبية، فليزم على قولكم، أن يكون ضد النفل المأمور به مكروها، فيلزم أن لا يكون مباحا أصلا، والأدلة القطعية على خلاف ذلك، (تنبيه) اعلم أن القائلين: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، اختلفوا في النهي عن الشيء، هل هو أمر بضده، فقال قوم: أن النهي عن الشيء ليس أمرا بضده، وفرقوا بين الأمر بالشيء والنهي عنه، فهو مذهب أبي الربيع، وأبي يعقوب صاحب العدل، وهو أيضا ظاهر كلام البدر في مختصره، وقال قوم منهم الباقلاني: أن النهي عن الشيء أمر بضده، واحتجوا على ذلك بحجج منها: أن النهي هو طلب ترك فعل، والترك هو فعل الضد، فيكون النهي عن الفعل أمرا
بضده، انتهى، (وأجيب) بأنه يلزم على هذا القول، أن يكون الزنى واجبا، من حيث أنه ترك لواط، والعكس وهو باطل قطعا، ويستلزم أيضا أنه لا يوجد مباح، إذ كلها حينئذ مأمور بها حتما، لكونها ترك محظور، وهو باطل قطعا والله أعلم.
وأما نحن فقد عرفت مذهبنا في أن الأمر بالشيء لا يدل على النهي عن ضده، فيستلزم قولنا أن النهي عن الشيء، لا يدل على الأمر بضده، وهو لازم جلي والله أعلم. ولما ذكر ما يدل عليه الأمر دلالة مطابقة، وما يدل عليه التزاما، أخذ في تميم ما يدل عليه التزاما، فقال:
والأمر بالأمر بشيء أمر ... بذلك الشيء وقال البدر.
ليس بأمر وهو القول الأصح ... لما عليه من دليل اتضح.
لأنه يصح نهي من أمر ... بأمره بلا تناقض ذكر.
وأنه يلزم أن يأثم من ... يقول للسيد مر عبدك أن.
مخ ۵۸