أحدهما: طلب القيام، ثانيهما: طلب ترك القعود، ودلالته على كل واحد من هذين الشيئين، دلالة مطابقة، ومنهم من ذهب إلى أن الأمر بالشيء؛ إنما يدل على النهي عن ضده، دلالة تضمن، فعند هؤلاء، أن طلب ترك القعود، جزء من مدلول قولك قم، والجزء الآخر، هو طلب القيام، فدلالته عليهما معا، دلالة مطابقة، ودلالته على كل واحد منهما، دلالة تضمن، ومنهم من ذهب إلى أن الأمر بالشيء، يدل على النهي عن ضده دلالة التزام، فعند هؤلاء أن قول القائل قم، دال بطرق المطابقة على نفس طلب إيقاع القيام لا غير، لكن طلب إيقاع القيام، مستلزم لطلب ترك القعود، وهذا المذهب هو الذي استحسنه البدر الشماخي -رحمه الله تعالى- واعتمد عليه في مختصره، وحمل عليه كلام الإمامين، أبي الربيع، وأبي يعقوب صاحب العدل، وهما من أئمة المذهب، وذهب قوم إلى أن الأمر بالشيء يدل على النهي عن ضده، إنما هو في موضع الإيجاب دون الندب، واختاره البدر في شرح مختصره، والظاهر من كلامه؛ أن هذا المذهب، هو مذهب أبي الربيع، ولما كان شبهة القائلين بأن الأمر يدل على النهي عن ضده، دلالة التزام، أقوى من شبهة سائر المذاهب، أشار إلى بيان دفعها، بقوله: وإن يكن مستلزما إلخ، ومعناه أن الأمر بالشيء، وإن كان مستلزما للكف عن ضده، فلا يكفي هذا الاستلزام لجعل الأمر بالشيء نهيا عن ضده، وبيان ذلك: أن النهي عن الشيء؛ إنما هو طلب الكف عنه، والأمر بالشيء لم يستلزم طلب الكف عن ضده، وإنما يستلزم الكف عن ضده، والفرق بين استلزام الأمر بالشيء الكف عن ضده، وبين استلزامه، طلب الكف عنه ظاهر، فإذا قال القائل قم؛ فإن هذا الأمر، إنما يستلزم الكف عن القعود، بمعنى أنه لا يمكن الممتثل امتثال هذا الأمر، إلا بالكف عن ضده، فسقط القول بأن الأمر بالشيء، يستلزم النهي عن ضده، ولابد أن نسمعك ما تستدل به على صحة المذهب الذي اخترناه، وعلى ضعف ما عداه، فاعلم أولا: أن المذهب الذي اخترناه، هو مذهب كثير
مخ ۵۷