و(العقول): هي علوم يخلقها الله -تعالى- في القلوب؛ والقلوب محالها وأوعيتها، وليست القلوب التي هي البضع عقولا لأنها ثابتة للنائم والعقل زائل، وتقدم الكلام فيها بما فيه كفاية لكل منصف.
قوله: (والسمع إذ جاء به التنزيل): يريد بالسمع: دلالة السمع،
وهو القرآن الكريم الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)} [فصلت].
[ذكر مسائل أصول الدين وما يتبعها]
ولا شك أن القرآن الكريم شاهد لكل مسألة مما ذهبنا إليه من
التوحيد والعدل، ومسائل الوعد والوعيد، وما يتبعهما، وما يتعلق بهما وينبني عليهما من النبوءة، والإمامة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء، والبراء، ونحن نذكر في كل مسألة على وجه الإختصار شاهدا من السمع، ونحذف التطويل ليتم غرضنا بالكتاب، ونفيء بشرطنا، ويصدق وعدنا في الإيجاز، لأن المسائل التي تقدم ذكرها تنقسم إلى ما يصح الإستدلال عليها بالسمع ابتداء، وإلى ما لا يصح إلا بعد الدلالة العقلية، فلنبدأ من ذلك بالشاهد على وجوب النظر، ثم على إثبات الصانع، ثم نتبع ذلك ما يليق به من المسائل على ما رتبه آباؤنا الأئمة -عليهم السلام-، والصالحون من علماء الأمة -رضي الله عنهم-:
[الدليل على وجوب النظر من الكتاب]
قال الله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت(17)}[الغاشية]... إلى آخر الآيات، ثم عقبه بالإستخفاف بهم، والوعيد لهم.
ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الله عقب الأمر لهم بالنظر على أبلغ الوجوه، بذكر اطراحهم، والإستخفاف بهم، والوعيد بعد ذلك لمن تولى منهم، وهو سبحانه لحكمته لا يأمر نبيئه بإطراح أحد إلا أن يترك واجبا، وكذلك لا يتهدد أحدا بالعقاب على ترك شيء من أنواع الأفعال إلا الواجب.
مخ ۹۴