هذا جناي وخياره فيه
إذ كل جان يده إلى فيه
وأما العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوما ، ومنه تعلم الناس صلاة الليل ، وملازمة الأوراد وقيام النافلة ، وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير ، فيصلي عليه ورده ، والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يمينا وشمالا ، فلا يرتاع لذلك ، ولا يوقم حتى يفرغ من وظيفته وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنه البعير لطول سجوده . | وأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته ، ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله ، وما يتضمنه من الخضوع لهيبته ، والخشوع لغزته واستخذاء له ، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص ، وفهمت من أي قلب خرجت ، وعلى أي لسان جرت . وقيل لعلي بن الحسين عليه السلام ، وكان الغاية في العبادة : أين عبادتك من عبادة جدك ؟ قال : عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله . | وأما قراءته القرآن واشتغاله به فهو المنظور إليه في هذا الباب ، اتفق الكل على أنه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله ، ولم يكن غيره يحفظه ، ثم هو | أول من جمعوا ، نقلوا كلهم أنه تأخر عن بيعة أبي بكر ن فأهل الحديث لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنه تأخ مخالفة للبيعة ، بل يقولون : تشاغل بجمع القرآن ، فهذا يدل على أنه أول من جميع القرآن لأنه لو كان مجموعا في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله لما احتاج إلى أن يتشاغل بجمعه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وآله . وإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمة القراء كلهم يرجعون إليه ، كأبي عمرو بن العلاء وعاصم ابن أبي النجود وغيرهما ، لأنهم يرجعون إلى أبي عبد الرحمن السلمي القارئ ، وأبو عبد الرحمن كان تلميذه ، وعنه أخذ القرآن ، فقد صار هذا الفن من الفنون التي تنتهي إليه أيضا ، مثل كثب مما سبق . | وأما الرأي والتدبر فكان من أس الناس رأيا ، وأصحهم تدبيرا ، وهو الذي أشار على عمر بن الخطاب لما عزم أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس بما أشار ، وهو الذي أشار على عثمان المأمور كان صلاحه فيها ، ولو قبلها لم يحدث عليه ما حدث ، وإنما قال أعداؤه : لا رأي له ، لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها ، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه ، وقد قال عليه السلام : لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب وغيره من الخلفاء كان يعمل بنقتضى ما يستصلحه ويستوقفه ، سواء أكان مطابقا للشرع أم لم يمن ، ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه من اجتهاده ، ولا يقف مع ضوابظ وقيود يمتنع لأجلها مما يرى الصلاح فيه ، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتظام أقرب ، ومن كان بخلاف ذلك تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب . | وأما السياسة فإنه كان شديد السياسة ، خشنا في ذات الله ، لم يراقب ابن عمه في عمل كان ولاه إياه ، ولا راقب أخاه عقيلا في كلام جبهه به . وأحرق قوما بالنار ونقض دار مصقلة بن هبيرة ودار جرير بن عبد الله البجلي ، وقطع جماعة وصلب آخرين . | ومن جملة سياسته في حروبه أيام خلافته بالجمل وصفين والنهروان ، وفي أقل القليل منها مقنع ، فإن كل سائس في الدنيا لم يبلغ فتكه وبطشه وانتقامه مبلغ العشر مما فعل عليه السلام في هذه الحروب بيده وأعوانه . | فهذه هي خصائص البشر ومزاياهم قد أوضحنا أنه فيها الإمام المتبع فعله ، والرئيس المقتفي أثره . | وما أقول في رجل تحبه أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة ، وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملة ، وتصور ملوك الفرنج والروم في بيعها وبيوت عباداتها ، حاملا سيفه ، مشمرا لحربه ، وتصور ملوطك الترك والديلم صورته على سيأفها كان علة سيف عضد الدلو بن بويه وسيف أبيه ركن الدولة صورته ، وكان على سيف إلب أرسلان وابنه ملكشاه صورته ، كأنهم يتفاءلون به النصر والظفر . | وما أقول في رجل أحب كل واح أن يتكثر به ، وود كل أحد أن يتجمل ويتحسن بالانتساب إليه ، حتى الفتوة التي أحسن ما قيل في حدها ألا تستحسن من نفسك ما تستقبحه من غيرك ن فإن أربابها نسبوا أنفسهم إليه ، وصنفوا في ذلك كتبا ، وجعلوا لذلك إسنادا أنهوه إلأيه ، وقصروهخ عليه ، وسموه سيد الفتيان ، وعضدوا مذهبهم إليه بالبيت المشهور المروي ، أنه سمع من السماء يوم أحد :
مخ ۲۵