ثم قال عليه السلام : ومباين بين محارمه ، الواجب أن يكون ومباين بالرفع لا بالجر ، فإنه ليس معطوفا على ما قبله ، ألا ترى أن جميع ما قبله يستدعي الشيء وضده ، أو الشيء ونقيضه ؛ وقوله : ومباين بين محارمه ، لا نقيض ولا ضد له ، لأنه ليس القرآن العزيز على قسمين : أحدهما مباين بين محارمه والآخر غير مباين ، فإن ذلك لا يجوز ، فوجب رفع مباين ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف . ثم فسر ما معنى المباينة بين محارمه ، فقال : إن محارمه تنقسم إلى كبيرة وصغيرة ، فالكبيرة أوعد سبحانه عليها بالعقاب ، والصغيرة مغفورة ، وهذا نص مذهب المعتزلة في الوعيد .
ثم عدل عليه السلام عن تقسيم المحارم المتباينة ، ورجع إلى تقسيم الكتاب فقال : وبين مقبول في أدناه ، وموسع في أقصاه ، كقوله : ' فاقرءوا ما تيسر منه ' ، فإن القليل مقبول ، والكثير منه موسع مرخص في تركه .
الأصل : وفرض عليكم حج بيته الحرام ، الذي جعله قبلة للأنام ، يردونه ورود الأنعام ، ويولهون إليه وله الحمام . وجعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته ، وإذعانهم لعزته . واختار من خلقه سماعا أجابوا إليه دعوته ، وصدقوا كلمته ، ووقفوا مواقف أنبيائه ، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه ، يحرزون الأرباح في متجر عبادته ، ويتبادرون عنده موعد مغفرته . جعله سبحانه وتعالى للإسلام علما ، وللعائذين حرما ، وفرض حقه ، وأوجب حجه ، وكتب عليكم وفادته ، فقال سبحانه : ' ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ' . الشرح : الوله : شدة الوجد ؛ حتى يكاد العقل يذهب ، وله الرجل يوله ولها . ومن روى : يألهون إليه ولوه الحمام ، فسره بشيء آخر ، وهو يعكفون عليه عكوف الحمام . وأصل أله عبد ، ومنه الإله ، أي المعبود . ولما كان العكوف على الشيء كالعبادة له لملازمته والانقطاع إليه قيل : أله فلان إلى كذا ، أي عكف عليه كأنه يعبده . ولا يجوز أن يقال : يألهون إليه ، في هذا الموضع بمعنى يولهون ، وأن أصل الهمزة الواو كما فسره الراوندي ، لأن فعولا لا يجوز أن يكون مصدرا من فعلت بالكسر ، ولو كان يألهون هو يولهون ، كان أصله أله بالكسر ، فلم يجز أن يقول : ولوه الحمام ، وأما على ما فسرناه نحن فلا يمتنع أن يكون الولوه مصدرا ، لأن أله مفتوح ، فصار كقولك : دخل دخولا . وباقي الفصل غني عن التفسير .
الملائكة وآدم والبيت المعمور
مخ ۸۰