وقالوا : إن ليلى الأخيلية لما سلمت على قبر توبة بن الحمير خرج إليها هامة من القبر صائحة ، أفزعت ناقتها ، فوقصت بها فماتت ، وكان ذلك تصديق قوله :
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت . . . علي ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا . . . إليها صدى من جانب القبر صائح
وكان توبة وليلى في أيام بني أمية .
وكانوا في عبادة الأصنام مختلفين ، فمنهم من يجعلها مشاركة للبارئ تعالى ، ويطلق عليها لفظة الشريك ، ومن ذلك قولهم في التلبية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . ومنهم من لا يطلق عليها لفظ الشريك ، ويجعلها وسائل وذرائع إلى الخالق سبحانه ، وهم الذين قالوا : ' ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ' .
وكان في العرب مشبهة ومجسمة ، منهم أمية بن أبي الصلت ، وهو القائل :
من فوق عرش جالس قد حط رج . . . ليه إلى كرسيه المنصوب
وكان جمهورهم عبدة الأصنام ، فكان ود لكلب بدومة الجندل ، وسواع لهذيل ، ونسر لحمير ، ويغوث لهمدان ، واللات لثقيف بالطائف ، والعزى لكنانة وقريش وبعض بني سليم ، ومناة لغسان والأوس والخزرج ، وكان هبل لقريش خاصة على ظهر الكعبة ، وأساف ونائلة على الصفا والمروة . وكان في العرب من يميل إلى اليهودية ، منهم جماعة من التبابعة وملوك اليمن ، ومنهم نصارى كبني تغلب والعباديين رهط عدي بن زيد ، ونصارى نجران ، ومنهم من كان يميل إلى الصابئة ويقول بالنجوم والأنواء .
فأما الذين ليسوا بمعطلة من العرب فالقليل منهم ، وهم المتألهون أصحاب الورع والتحرج عن القبائح ، كعبد الله وعبد المطلب وابنه أبي طالب ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وقس بن ساعدة الإيادي ، وعامر بن الظرب العدواني ، وجماعة غير هؤلاء .
وغرضنا من هذا الفصل بيان قوله عليه السلام : بين مشبه لله بخلقه أو ملحد في اسمه ، إلى غير ذلك ، وقد ظهر بما شرحناه .
ثم ذكر عليه السلام أن محمدا صلى الله عليه وسلم خلف في الأمة بعده كتاب الله تعالى طريقا واضحا ، وعلما قائما ، والعلم المنار يهتدى به ، ثم قسم ما بينه عليه السلام في الكتاب أقساما : فمنها : حلاله وحرامه ؛ فالحلال كالنكاح ، والحرام كالزنا .
مخ ۷۸