شرح نهج البلاغه
شرح نهج البلاغة
ایډیټر
محمد عبد الكريم النمري
خپرندوی
دار الكتب العلمية
شمېره چاپونه
الأولى
د چاپ کال
۱۴۱۸ ه.ق
د خپرونکي ځای
بيروت
فلما دخل منزله ودخل عليه وجوه أصحابه ، قال لهم : أشيروا علي برجل صليب ناصح ، يحشر الناس من السواد . فقال له سعيد بن قيس : يا أمير المؤمنين ، أشير عليك بالناصح الأريب الشجاع الصليب ، معقل بن قيس التميمي ، قال : نعم ، ثم دعاه فوجهه ، فسار فلم يقدم حتى أصيب أمير المؤمنين عليه السلام .
ومن خطبة له في الحث على التزود للآخرة
الأصل : أما بعد ، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع ، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرقت باطلاع ، ألا وإن اليوم بمضمار ، وغدا السباق ، والسبقة الجنة والغاية النار .
أفلا تائب من خطيئته قبل منيته ! ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ! ألا وإنكم في أيام أمل ، من ورائه أجل ؛ فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله ، فقد نفعه عمله ، ولم يضرره أجله . ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله ، فقد خسر عمله ، وضره أجله .
ألا فاعملوا في الرغبة ، كما تعملون في الرهبة ، ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربها ، ألا وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل ، ومن لا يستقيم به الهدى ، يجر به الضلال إلى الردى .
ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ، ودللتم على الزاد ، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل ، فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا .
قال الرضي رحمه الله : وأقول : إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا ، ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام . وكفى به قاطعا لعلائق الآمال ، وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار . ومن أعجبه قوله عليه السلام : ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق والسبقة الجنة والغاية النار ، فإن فيه مع فخامة اللفظ ، وعظم قدر المعنى ، وصادق التمثيل ، وواقع التشبيه ، سرا عجيبا ، ومعنى لطيفا ، وهو قوله عليه السلام : والسبقة الجنة والغاية النار ، فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ، ولم يقل السبقة النار ، كما قال : السبقة الجنة ، لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب وغرض مطلوب ، وهذه صفة الجنة ، وليس هذا المعنى موجودا في النار ، نعوذ بالله منها ! فلم يجز أن يقول : والسبقة النار ، بل قال : والغاية النار ، لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها ، ومن يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا ، فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل ، قال الله تعالى : ' قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ' ، ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال : فإن سبقتكم إلى النار ، فتأمل ذلك فباطنه عجيب ، وغوره بعيد لطيف ، وكذلك أكثر كلامه عليه السلام .
مخ ۵۵