والحق أنه لم يخالف الأحاديث عنادًا، بل خالفها اجتهادًا لحجج واضحة ودلائل صالحة، وله بتقدير الخطأ أجر، وبتقدير الإصابة أجران (١).
هذا، وأما مقدار الأحاديث التي استدل بها في مذهبه .. فالجواب عليه ما ثبت في المسانيد الخمس عشرة المنسوبة إليه .. بل ومضافًا إليها من الأحاديث والآثار الثابتة في السند المتصل وهي بالآلاف والتي تصدى لجمعها في وقت مبكر غير واحد من العلماء والذي وصلنا منها ما جمعه الطحاوي في معاني الآثار ومشكل الآثار وهو من الفقهاء المتقدمين رتبة وتاريخًا في المذهب، وما جمعه أخيرًا السيد محمد مرتضى الزبيدي في كتابه الموسوم بـ (عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة مما وافق فيه الأئمة الستة أو أحدهم) والذي جاء في مقدمته: ما نصه: قصدت بهذا التألبف الردُّ على بعض المتعصبين ممن اعتسف عن واضح المشارع، ونسب إلى إمامنا أنه يقدم القياس على النص الثابت عن الشارع، ولعمري هذه النسبة إليه غير صحيحة، فإن الصحيح المنقول في مذهبه تقديم النص على القياس (٢).
والمقصود بالنص هنا هو الحديث الشريف بالجملة .. وإن كان عبارة النص تشمل الآية الكريمة عند العلماء .. وقد أجمعوا على أن القرآن مقدم على ما سواه.
ولكن لماذا سيقت التهمة في مواجهة الإمام أبي حنيفة ..
يجيب الزبيدي قائلًا: إن مذاهب الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم منسوجة من الشريعة المطهرة سداها ولحمتها لا سيما مذهب إمامنا الأعظم، لكن وجوه استنباطه تدق عن إدراك عقول طلبة العلم، وما يوجد في بعضها مما يخالف ظاهر الأحاديث فهو بالنسبة إلى مدارك أفهامنا، وإلا فقد صح عنده من قوله ﷺ أو فعله أو من آثار الصحابة ما قام عنده بمقام اليقين وجعله حجة، ثم أيده بالنظر فيه والاستكشاف لما يعارضه ويخالفه.
_________
(١) (الكوثري - تأنيب الخطيب - ٢٢٣ - ٢٢٥)
(٢) (الزبيدي - الجواهر المنيفة. المقدمة/٥)
مقدمة / 3