إليك إليك ضاق به ذراعا فتقديره عند أهل الكوفة: احبس أمسك، وعند أهل البصرة: تأخر تأخر. والصحيح ما ذهب إليه البصريون، لأنه لو كان كما زعم الكوفيون لوجد في موضع من المواضع متعديا.
والذي أجاز ذلك قياسا، وهو الكسائي ومن أخذ بمذهبه من أهل الكوفة، أجاز ذلك في جميع الظروف والمجرورات إلا ما كان منها على حرف واحد نحو: بك ولك. وهذا فاسد، لأن وضع الظروف موضع الفعل إخراج لها عن أصلها فلا ينبغي أن تجاوز بها ما يسمع.
وأيضا فإن هذه الظروف التي وضعت موضع الفعل ليس فيها من التراخي ما في غيرها من الظروف نحو قدام ووراء وخلفك وقبلك ، فما في هذه الظروف من التراخي يمنع من وضعها موضع الفعل.
ألا ترى أنك لو قلت: قدامك زيدا، بمعنى خذه من قدامك، لأمكن أن يكون بينك وبينه مسافة لا يمكن معها أخذه، ولذك لا يجوز إغراء غائب، لا يجوز: عليه زيدا، لأنه لا دليل على الفعل المضمر، إلا أنه قد سمع حرف شاذ: عليه رجلا ليسنى، وذلك أن إنسانا قيل له: إن فلانا أخذك بكذا فقال هذا الكلام لعلمه أن السامع سيبلغه إلى المغرى.
واختلف في تقديم معمول هذه الظروف عليها، ذهب الكوفيون إلى جواز ذلك واستدلوا بقوله تعالى: {كتب الله عليكم} (النساء: 24)، فكتاب معمول عليكم وهو مقدم عليه. وأما قول الشاعر:
يا أيها المائح دلوي دونكا
...........
فهو عند الكوفيين كالآية.
ومذهب أهل البصرة منعه وهو الصحيح.
أما الآية فكتاب مصدر وضع موضع الفعل، وعليكم متعلق بالمصدر كقوله:
أعلاقة أم الوليد بعدما
أفنان رأسك كالثغام المخلس
وأما قوله: دلوى دونكا، فدلوى مفعول بفعل مضمر ودونك بمعنى تأخر.
مخ ۴