[شرح جمل الزجاجى 3]
باب التمييز
التمييز كل اسم نكرة منصوب مفسر لما انبهم من الذوات.
فقولنا: التمييز كل اسم نكرة منصوب، احتراز مما عدا ذلك من المنصوبات فإنها تكون نكرات ومعارف.
وقولنا: مفسر لما انبهم من الذوات تحرز من الحال فإنه مفسر لما انبهم من الهيآت.
وزعم ابن الطراوة وبعض النحويين أنه يكون معرفة، واستدل على ذلك بقول الشاعر:
له داع بمكة مشتعل
وآخر فوق رابية ينادي
إلى ردح من الشيزى ملاء
لباب البر يلبك بالشهاد
فلباب تمييز وهو مضاف إلى معرفة، قال: ولغة العرب مشهورة: ما فعلت الخمسة عشر الدرهم، والعشرون الدرهم.
وهذا الذي استدل به فاسد. أما قوله: إن لباب البر تمييز، فباطل لأنه يحتمل أن يكون مفعولا بعد إسقاط حرف الجر.
وأما قوله: إن للعرب لغة مشهورة: ما فعلت العشرون الدرهم، فباطل لأن هذا إنما حكاه أبو زيد الأنصاري ولم يقل إنها لغة للعرب، وممكن أن يقال: إن الألف واللام فيها زائدة مثل قوله:
باعد أم العمر من أسيرها
حراس أبواب على قصورها
ويكون شاذا، فلا دليل فيه.
والتمييز لا يخلو أن ينتصب بعد تمام الكلام أو بعد تمام الاسم.
فمثال الذي ينتصب بعد تمام الكلام: تصبب زيد عرقا. ومثال الذي ينتصب بعد تمام الاسم عندي عشرون درهما.
وتمام الاسم إما بالنون كما تقدم أو التنوين مثل: رطل زيتا، أو الإضافة مثل: ما في السماء موضع راحة سحابا. أو بنية التنوين مثل: خمسة عشر درهما.
والذي ينتصب بعد تمام الاسم لا يكون إلا عددا أو مقدارا أو ما يكون بمنزلة المقدار. فمثال العدد ما تقدم. والمقادير ثلاثة: مكيلات وموزونات وممسوحات. فمثال المكيل: عندي كر شعيرا. ومثال الموزون: رطل زيتا، ومثال الممسوح ذراع ثوبا. وما جرى مجرى الممسوح: ما في السماء موضع راحة سحابا. وكله يتقدر بمن.
مخ ۱
والذي ينتصب بعد تمام الكلام لا يخلو أن يكون منقولا أو غير منقول. فإن كان منقولا لم يجز دخول من عليه لأنه منقول من فاعل أو مفعول. وإن كان غير منقول فلا يخلو أن يكون مشبها بالمنقول أو غير مشبه بالمنقول. فإن كان مشبها بالمنقول لم يجز دخول من عليه.
ووجه الشبه بينه وبين المنقول أن قولك: امتلأ، مطلوع لملأ، فكأنك قلت: ملأ الإناء الزيت، ثم صار الزيت تمييزا بعد أن كان فاعلا لملأ.
وأما: نعم رجلا زيد، فكأن الأصل: نعم الرجل، ثم أضمرت الرجل وصار تمييزا بعد أن كان فاعلا. فكأنه نقل. وأنشدوا.
فنعم الحي من حي يمان
فإن كان غير مشبه بالمنقول جاز دخول من عليه مثل قولهم: حبذا من رجل زيد، وعليه قوله:
يا حبذا جبل الريان من جبل
........
والتمييز لا يخلو أن يكون العامل فيه فعلا أو غير فعل. فإن كان العامل فيه غير فعل لم يجز تقديمه ولا توسيطه، وذلك في كل ما ينتصب عن تمام الاسم.
فإن كان العامل فيه فعلا جاز توسطه بلا خلاف وعليه قوله:
ونارنا لم ير نارا مثلها
قد علمت ذاك معد كلها
واختلف في تقديمه، فذهب المازني إلى أنه يجوز. واستدل على ذلك بقوله:
أتهجر سلمى بالفراق حبيبها
وما كان نفسا بالفراق يطيب
قال: وإذا كان العامل متصرفا فلا مانع له من التصرف في معموله. ومنهم من قال: لا يجوز تقديمه.
واختلف في المانع من ذلك فقال أبو علي والزجاج: إنما لم يجز لأنه منقول من الفاعل، فكما أن الفاعل لا يجوز تقديمه لا يجوز تقديم ما نقل منه. وأيضا فإن التمييز مبين لما قبله كالنعت والنعت لا يجوز تقديمه على المنعوت فكذلك هذا.
ولا حجة فيما ذكر أما أن التمييز منقول من الفاعل فقد يكون منقولا من المفعول كقوله تعالى: {وفجرنا الارض عيونا} (القمر: 12).
مخ ۲
وأيضا فلو كان كما زعمنا لجاز تقديمه في الأصل فاعلا، بالنظر إلى اللفظ كما جاز أكرمته وزيدا أكرمت، وإن كان في الأصل فاعلا في كرم زيد.
وقولهم: إنه تبيين كالنعت، باطل، لأنه لو كان كذلك لم يجز توسطه كما لم يجز توسط النعت.
والصحيح أن المانع من تقديمه كون العامل فيه لا يكون فعلا، فإذا كان فعلا فإنما العامل فيه تمام الكلام، فكما جاز في عشرين أن تنصبه فكذلك ينتصب بعد تمام الكلام.
وما استدل به المازني من قوله:
.............
وما كان نفسا بالفراق يطيب
فلا حجة فيه، لأن الرواية إنما هي، وما كان نفسي، وقد روي:
.............
وما كان نفسا بالفراق تطيب
بالتاء، فلا يكون فيه حجة، لأن تطيب يمكن أن يكون صفة للنفس وتكون نفسا خبرا لكان كأنه قال: وما كان حبيبها نفسا بالفراق طيبة.
ويجوز أن يحمل على هذا الوجه في رواية من رواه بالياء على (أنه من تذكير) النفس.
ولا يكون التمييز بالأسماء المختصة بالنفي ولا بالأسماء المتوغلة في الإبهام (كشيء وموجود وما أشبهها) ولا بالأسماء المتوغلة في البناء.
باب الإغراء
الإغراء لغة هو أن يقال: أغريته بكذا، أي سهلته عليه. وهو عند النحويين وضع الظروف والمجرورات موضع أفعال الأمر ومعاملتها معاملتها.
واختلف في ذلك، في قصره على السماع. فمنهم من قصره على السماع ومنهم من أجاز القياس.
وموضع السماع: عندك ودونك وعليك وإليك.
فأما عليك وعندك فلا يستعملان إلا استعمال فعل متعد وهو خذ. وأما دونك فيستعمل مرة استعمال فعل متعد وتارة استعمال فعل غير متعد بمعنى تأخر. وأما إليك ففيها خلاف. فمذهب أهل البصرة أنها غير متعدية. ومذهب أهل الكوفة أنها متعدية. واختلفوا في قوله:
إذا التياز ذو العضلات قلنا
مخ ۳
إليك إليك ضاق به ذراعا فتقديره عند أهل الكوفة: احبس أمسك، وعند أهل البصرة: تأخر تأخر. والصحيح ما ذهب إليه البصريون، لأنه لو كان كما زعم الكوفيون لوجد في موضع من المواضع متعديا.
والذي أجاز ذلك قياسا، وهو الكسائي ومن أخذ بمذهبه من أهل الكوفة، أجاز ذلك في جميع الظروف والمجرورات إلا ما كان منها على حرف واحد نحو: بك ولك. وهذا فاسد، لأن وضع الظروف موضع الفعل إخراج لها عن أصلها فلا ينبغي أن تجاوز بها ما يسمع.
وأيضا فإن هذه الظروف التي وضعت موضع الفعل ليس فيها من التراخي ما في غيرها من الظروف نحو قدام ووراء وخلفك وقبلك ، فما في هذه الظروف من التراخي يمنع من وضعها موضع الفعل.
ألا ترى أنك لو قلت: قدامك زيدا، بمعنى خذه من قدامك، لأمكن أن يكون بينك وبينه مسافة لا يمكن معها أخذه، ولذك لا يجوز إغراء غائب، لا يجوز: عليه زيدا، لأنه لا دليل على الفعل المضمر، إلا أنه قد سمع حرف شاذ: عليه رجلا ليسنى، وذلك أن إنسانا قيل له: إن فلانا أخذك بكذا فقال هذا الكلام لعلمه أن السامع سيبلغه إلى المغرى.
واختلف في تقديم معمول هذه الظروف عليها، ذهب الكوفيون إلى جواز ذلك واستدلوا بقوله تعالى: {كتب الله عليكم} (النساء: 24)، فكتاب معمول عليكم وهو مقدم عليه. وأما قول الشاعر:
يا أيها المائح دلوي دونكا
...........
فهو عند الكوفيين كالآية.
ومذهب أهل البصرة منعه وهو الصحيح.
أما الآية فكتاب مصدر وضع موضع الفعل، وعليكم متعلق بالمصدر كقوله:
أعلاقة أم الوليد بعدما
أفنان رأسك كالثغام المخلس
وأما قوله: دلوى دونكا، فدلوى مفعول بفعل مضمر ودونك بمعنى تأخر.
مخ ۴
ولا يجوز أن تجري هذه الظروف مجرى الفعل في جزم الجواب إلا في ضرورة ولا يجوز أن تنصب الفعل بعد الفاء والواو في جوابها، لأن الفعل كما تقدم في الجواب معطوف على مصدر متوهم يدل عليه الفعل وليس هنا ما يدل عليه المصدر.
باب التصغير التصغير يرد في كلام العرب على ثلاثة معان: أحدهما: أن يراد به تصغير شأن الشيء وتحقيره، نحو قولك: رجيل سوء.
والآخر: أن يراد به تقليل كمية الشيء نحو قولك: دريهمات.
والآخر: أن يراد به تقريب الشيء وذلك نحو: أخي، وصديقي، إنما يراد بذلك تقريب منزلة الأخ من أخيه والصديق من صديقه.
وزعم أهل الكوفة أنه قد يكون لتعظيم الشيء واستدلوا على ذلك بقوله:
فويق جبيل شامخ لن تناله
بقنته حتى تكل وتعملا
قالوا: فقوله: حتى تكل وتعملا، دليل على عظمه. وكذلك قول الآخر:
أحار ترى بريقا هب وهنا
كنار مجوس تستعر استعارا
فقوله: كنار مجوس، وقوله: تستعر استعارا، دليل على عظم هذا البرق. وكذلك قول الآخر:
وكل أناس سوف تدخل بينهم
دويهية تصفر منها الأنامل
يريد الموت، وهو عظيم في نفسه. قال الله تعالى: {قل هو نبأ عظيم }{أنتم عنه معرضون } يعني الموت.
وهذا كله لا حجة فيه أما البيت الأول فيريد به أن الجبل لصغره وارتفاعه يصعب على سالكه لوعورته وضيق طرقه، فلن يناله بقنته حتى يكل ويعمل، ولو كان كبيرا لاتسعت طرقه ولسهل على سالكه.
وأما البيت الآخر فيريد بالبرق المذكور فيه أنه محبوب، إما لكونه ظهر على أثر جدب وهو دليل على المطر، وإما لكونه لاح من أفق محبوبه فيكون من باب أخي وصديقي.
وأما الثالث فالمراد بتصغير الناهية فيه أنها خفية لا يعلم سببها، وإن كان فعلها عظيما، لأنها تأتي على ما عظم من المخلوقات، فصغرت بالنظر إلى خفائها.
مخ ۵
وجميع الأسماء يجوز تحقيرها إلا الأسماء المتوغلة في البناء، ما عدا أسماء الإشارة، والذي والتي من الموصولات وأسماء الشرط والاستفهام. فإن كانت معربة نحو أي وغير، والأسماء المختصة بالنفي نحو أحد وعريب وكتيع وأسماء الأسبوع نحو السبت والأحد والثلاثاء والأربعاء والظروف غير المتمكنة نحو بعيدات بين وذات مرة والأسماء المحكية والأسماء المصغرة والأسماء العاملة وجموع الكثرة وما عدا ذلك فتصغيره جائز.
أما الأسماء المتوغلة في البناء فأشبهت بقلة تمكنها الحرف، والحرف لا يصغر، وكذلك الظروف غير المتمكنة لأنها لقلة تمكنها أشبهت الحروف. وأسماء الاستفهام والشرط لأنها لا يعلم ما تقع عليه وإنما يصغر الشيء إذا علم أنه صغير. وأيضا فإنها عامة وتصغيرها يخرجها عن العموم إذ لا يتناول التصغير إلا حقيرا.
والأسماء المختصة بالنفي وغير لم تصغر، لأن تصغيرها يخرجها عن عمومها، ألا ترى أن «أحدا» يتناول جميع الناس وكذلك «غير» يتناول ما عدا المضاف (إليه) وأما أسماء الأسبوع فامتنعوا عن تصغيرها بتصغير يوم. وأما الأسماء المصغرة نحو كميت إنما لم تصغر لئلا يؤدي تصغيرها إلى جمع بين حرفي معنى.
وإنما لم تصغر الأسماء العاملة لأن تصغيرها يقوي فيها جانب الاسمية، فلا يجوز أن تعمل.
وإنما لم تصغر جموع الكثرة لأنه لا فائدة في تصغيرها ، ألا ترى أن دراهم تقع على ما فوق العشرة إلى ما لا يتناهى كثرة، فإن صغرتها فإنك تقصد تقليلها وليس لك ما يعطي ذلك لأن كل عدد يقل ويكثر بالإضافة إلى غيره بخلاف جموع القلة لأنها تقع على العشرة فما دونها، فإذا قللت علم أن العدد أقل من عشرة، ولا يتصور ذلك فيما كان من الجموع للكثرة.
مخ ۶
والاسم المصغر لا يخلو من أن يكون مركبا أو غير مركب. فإن كان مركبا صغر الصدر منه نحو بعلبك تقول: بعيلبك. وإن لم يكن مركبا فلا يخلو من أن يكون مفردا أو مثنى أو مجموعا.
فإن كان مجموعا فإما جمع سلامة أو جمع تكسير أو اسم جمع أو اسم جنس.
فإن لم يكن جمع تكسير صغر على لفظه. وإن كان جمع تكسير فإما جمع قلة أو جمع كثرة. فإن كان جمع قلة صغر على لفظه نحو: أفلس، تقول فيها. أفيلس. وإن كان جمع كثرة فإما أن يكون له واحد من لفظه أو لا يكون. فإن لم يكن له واحد من لفظه نحو عباديد وشماطيط، رد إلى واحده على القياس فقلت: عبيديد، لأن واحده لا يخلو أن يكون عبدودا أو عبديدا أو عبدادا، وكيفما كان فإن تصغيره عبيديد، فلذلك حالة يثبت عليها فلم يصغر على لفظه.
وإن كان له واحد من لفظه فلا يخلو من أن يكون له جمع قلة أو لا يكون فإن كان له جمع قلة رد إليه وصغر جمع قلة نحو فلوس تقول فيها: أفليس. وما ليس له جمع قلة رد إلى واحده وصغر الواحد وجمع بالألف والتاء إن كان لما لا يعقل بالواو والنون إن كان لما يعقل نحو دراهم وعمور، تقول دريهمات وعميرون.
فإن كان مثنى فحكمه حكم المفرد. وإن كان مفردا فإما أن يكون على حرفين أو أزيد. فإن كان على حرفين فإنك ترد إليه ما حذف منه فيصير ثلاثيا نحو يد ودم وسنة، تقول في تصغيرها: يدية ودمي وسنيهة، ويكون حكمه حكم الثلاثي.
وإن كان على أزيد فإما أن يكون على ثلاثة أحرف أو أربعة أو أزيد.
فإن كان على ثلاثة أحرف فإما أن يكون مذكرا أو مؤنثا. فإن كان مذكرا ضممت أوله وفتحت ثانيه وألحقت ياء التصغير ثالثة وجرى الحرف الذي بعد ياء التصغير بالإعراب، إلا أن يكون ثاني الاسم ياء فإنه يجوز في أوله الضم والكسر نحو شيخ وبيت.
مخ ۷
وإن كان مؤنثا فحكمه حكم المذكر إلا أنك تلحقه علامة التأنيث فتقول في تصغير هند هنيدة، إلا أسماء شذت وهي حرب وبؤس وناب للمسن وعرس، فإنها مؤنثات كلها ولم تلحق تاء التأنيث.
فإن كان على أربعة أحرف فلا يخلو أيضا من أن يكون مذكرا أو مؤنثا. فإن كان مذكرا ضممت أوله وفتحت ثانيه وألحقت ياء التصغير ثالثة وكسرت ما بعدها، إلا أن يكون الحرف الرابع تاء التأنيث وألفه فإنك لا تكسر ما بعد ياء التصغير بل تبقيه على حركته.
وإن كان مؤنثا فعلت به ما فعلت بالمذكر ولا تلحقه تاء التأنيث إلا أن يحذف في التصغير حتى يصير إلى الثلاثة نحو قولهم في تصغير سماء: سمية. أو يكون ظرفا قليل التمكن نحو قولهم في قدام: قديديمة، ووراء: وريئة، وسنذكر السبب في ذلك في بابه.
وإن كان على أزيد من أربعة أحرف دون تاء التأنيث وألفه الممدودة أو الألف والنون المشبهتان لها فإنك لا تحذفه حتى ترده إلى أربعة أحرف إن لم يكن رده إلى خمسة رابعها حرف علة زائدة، فإن رددته إلى أربعة فقد تقدم حكمه.
وإن كان على أربعة رابعها حرف لين زائد ضممت أوله وفتحت ثانيه وألحقت ياء التصغير ثالثة وكسرت ما بعدها وكان حرف العلة ياء فتقول في سربال: سريبيل، وفي قنديل: قنيديل، وفي بهلول: بهيليل.
مخ ۸
إلا أن يكون الاسم المصغر في آخره ألف التأنيث الممدودة أو الألف والنون المشبهان لها، وذلك كل اسم هما فيه ولم يكسر على فعالين أو يكون الاسم المصغر جمعا على وزن أفعال نحو أحمال، فإنك لا تكسر ما بعد ياء التصغير بل تبقيه على حركته. فعلى هذا إذا صغرت الاسم الذي على خمسة أحرف فلا يخلو أن تكون حروفه كلها أصولا أو يكون فيها زائد. فإن كانت كلها أصولا حذفت الآخر منها فتقول في سفرجل: سفيرج. وقد تحذف ما قبل الآخر إذا كان يشبه في مخرجه حرفا من حروف الزيادة نحو فرزدق، قالوا في تصغيره: فريزد وفريزق، لأن الدال تشبه التاء وهي من حروف الزيادة.
وإن شئت عوضت من المحذوف فقلت: سفيريج وفريزيد.
فإن كان فيه زائد حذفته أينما كان وتركت الأصلي فتقول في مدحرج: دحيرج، بحذف الميم.
وإن كان فيه زيادتان حذفت التي ليست للإلحاق وتركت الملحقة، فلو صغرت مثل: عثول، لحذفت اللام الواحدة وتركت الواو لأنها ملحقة فقلت: عثيل، كما أنك لو صغرت قرشبا حذفت اللام الأخيرة فقلت: قريشب. فإن كانتا للإلحاق حذفت أيتهما شئت فقلت في حبنطى حبينط، إن حذفت الألف وحبيط إن حذفت النون.
وكذلك تقول في دلنظى وكوءلل، لأنهما تساويا في الإلحاق، وإن كانتا لغير الإلحاق حذفت الأخيرة منهما فتقول في محمر ومغتلم: محيمر ومغيلم وإن شئت عوضت.
فإن فضلت الواحدة بالتقديم والأخرى بالحركة كنت في حذف إحداهما بالخيار نحو قلنسوة، تقول: قلينسة، إن حذفت الواو وقليسية إن حذفت النون.
فإن كانت إحدى الزيادتين لمعنى والأخرى ليست لمعنى حذفت أيهما شئت إذا تساويا ولم تفضل إحداهما الأخرى في مذهب سيبويه نحو حبارى، تقول: حبير، إن حذفت ألف التأنيث، وأبو عمرو ويعوض منها تاء فيقول: حبيرة. وإن حذفت الأولى قلت: حبيرى.
مخ ۹
وبعض الناس لا يحذف إلا ما ليس له معنى، وهو القياس عندي. وإن تساوت الزيادتان ولم تفضل إحداهما الأخرى وكان حذف إحداهما يقضي إلى أن يكون على مثال ليس من أمثلة كلامهم وحذف الأخرى يؤدي إلى ذلك حذفت التي لا يؤدي حذفها إلى شيء من ذلك نحو استضراب، تقول فيه: تضيريب، بحذف الألف لتحرك الأول ثم تحتاج بعد ذلك إلى حذف حرف واحد فتحذف السين فيبقى تضراب مثل سربال ولا يبقى السين لأنه يبقى سضراب وليس في كلامهم سفعال، وفيه تفعال نحو تجفاف.
فإن كان الخماسي رابعه حرف مد ولين لم تحذف منه شيئا لأنك إذا حقرت الخماسي بعد حذفه لك أن تعوض حرف مد ولين قبل الآخر. فإذا كان موجودا في الكلمة فينبغي أن لا يحذف منها إذ قد يزاد في الكلمة وإن لم يكن فيها. فلو صغرت انطلاقا على هذا لحذفت همزة الوصل ثم يبقى بمنزلة سربال، فتصغيره كتصغيره فتقول: نطيليق.
والمازني لا يجيز في تصغيره إلا طليق ويحذف لأنه ليس ثم نفعال.v وهذا الذي قال لا يلتفت إليه إلا عند ترجيح حذف إحدى الزيادتين على الأخرى، ولو كان هذا الذي ذهب إليه صحيحا لم يجز في افتقار: فتيقير، لأنه ليس في كلامهم فتعال.
وإن كان الاسم الذي تريد تصغيره على أزيد من خمسة أحرف فهو جار على هذا القياس في الحذف.
وأهل الكوفة يجيزون في تصغير الخماسي فما زاد أن لا يحذف منه شيء فتقول في سفرجل: سفيرجل، بكسر ما قبل الآخر وفي قبعثرى: قبيعثرى.
ومنهم من لا يجيز ذلك في الخماسي إلا بشرط أن يسكن ما قبل الآخر فتقول: سفيرجل، حتى يصير على وزن قنيديل، وذلك لا يجوز عندنا أصلا، كما لا يجوز في التكسير.
فهذه جملة كافية في التصغير، لم نرجع إلى ما ذكره أبو القاسم من الأبواب بابا بابا إلى تمامها.
قوله: أبنية التصغير ثلاثة: فعيل وفعيعل وفعيعيل.
مخ ۱۰
أي ما كان من الأسماء على هذه الأمثلة في الحركات والسكون وعدة الحروف لا في الأصول والزوائد، ألا ترى أن ما كان على وزن أفعيل ويفعيل أو مفيعل أو غير ذلك من الأوزان على مثال فعيعل في الحركات والسكنات. فإن قيل: وجدنا من الأسماء المصغرة على غير ذلك من الأمثلة، وذلك أفيعال نحوأجيمال، وفعيلان نحو سكيران وفعيلى كحبيلى وفعيلاء كحميراء وأمثال ذلك. فالجواب: إن أفيعالا راجع إلى فعيعيل لأنه مثله في الحركات والسكنات وعدد الحروف، وما بقي إنما يعتد منه بالصدر. وما بقي بمنزلة اسم مركب وكلها ترجع إلى فعيل لأن ألفي التأنيث الممدودة والمقصورة والألف والنون ا لزائدتين جارية مجرى الاسم المركب.
فقد تبين أن هذه الأمثلة الثلاثة عامة لجميع الأسماء المصغرة.
باب تصغير الثلاثي
الاسم الثلاثي لا يخلو أن يكون مذكرا أو مؤنثا. فإن كان مذكرا لم يخل من أن يكون صحيحا أو معتلا. فإن كان صحيحا ضممت أوله وفتحت ثانيه وألحقت ياء التصغير ثالثه وجر ما بعدها بالإعراب.
وإن كان معتلا فلا يخلو أن يكون معتل الفاء أو العين أو اللام.
فإن كان معتل الفاء فإما أن يكون بالواو أو بالياء. فإن كان معتلا بالواو جرى مجرى الصحيح، وإن شئت قلبت الواو همزة نحو أجيه، في وجه وإن كان معتلا بالياء فحكمه حكم الصحيح، تقول في يسر: يسير.
وإن كان معتل العين فإما أن يكون ياء أو واوا أو ألفا.
فإن اكان واوا فحكمه حكم الصحيح نحو قول، تقول: قويل.
وإن كانت ياء فحكمه حكم الصحيح، ويجوز كسر فائه إتباعا للعين نحو بيت تقول فيه بييت.
وإن كان ألفا رددتها إلى أصلها، فإن كان أصلها الواو رددتها إليها، وكان حكمه حكم ما عينه واوا، وإن كان أصلها الياء رددتها إليها وكان حكمه حكم ما عينه ياء فتقول في تصغير باب: بويب، وناب: نييب.
وإن كان ألفا مجهولة الأصل ردت إلى الواو.
مخ ۱۱
وإن كان معتل اللام فعلت به ما فعلت بالصحيح، إن كانت لامه ياء بقيت على ما كانت عليه، وإن كانت ألفا أو واوا صارت ياء.
وإن كان الاسم مؤنثا كان حكمه حكم المذكر إلا أنك تلحق الاسم تاء التأنيث وتفتح ما قبلها إلا ألفاظا شذت وهي ناب للمسن من الإبل وحرب وعرس وقوس، فإنها مؤنثة ولا تلحقها تاء التأنيث.
فأما ناب فحمل على معنى عظائم لأن المسن من الإبل إنما سمى نابا لعظمه. وقوس محمول على معنى عود، وحرب روعي فيها أنها مصدر في الأصل فجرت لذلك مجرى المذكر.
فإن كان الاسم الثلاثي محذوفا (منه) صغرته كما يصغر غير المحذوف ولا يرد إليه شيء، لأنك لم تضطر إلى الرد فتقول في تصغير هار: هوير ، وفي تصغير ميت: مييت، وفي تصغير بيت: بييت، وفي تصغير مال: مويل من قولك: رحل مال.
ويونس يرد المحذف فيقول: هويئر ومويئل، لأن أصله هائر ومائل.
باب تصغير الرباعي
لا يخلو أن يكون أحد حروفه معتلا أو لا يكون. فإن لم يكن كذلك ضممت أوله وفتحت ثانيه وألحقت ياء التصغير ثالثة وكسرت ما بعدها وجرى الآخر بالإعراب إلا أن يكون رابع الاسم تاء تأنيث فإنك تبقي ما قبل الآخر حركته فتقول في طلحة طليحة.
فإن كان مضعفا فإما مدغم أو غير مدغم، فإن كان مدغما فحكمه حكم الصحيح إلا أنك تكسر ما بعد ياء التصغير وتبقي المدغم على ما كان عليه فتقول في مدق مديق.
وإن لم يكن مدغما فحكمه حكم الصحيح. وإن شئت زدت ياء تفرقة بين المثلين فتقول في قردد: قريدد وقريديد.
فإن كان أحد حروفه حرف علة فإما أولا أو ثانيا أو ثالثا أو رابعا.
مخ ۱۲
فإن كان أولا فإما ياء أو واوا، فإن كان ياء أو واوا فحكمه حكم الصحيح، تقول في يمين: يمين، وتقول في مثل وقود: وقيد. وإن شئت همزت الواو المضمومة. وإن كان ثانيا فإما ياء أو واوا أو ألفا. فإن كان ألفا فأنك تقلبها إلى الواو فتقول في ضارب: ضويرب. وإن كان ياء أو واوا فحكمه حكم الصحيح فتقول في تصغير كوثر وصيقل: كويثر وصييقل.
وإن كان ثالثا فإما ألفا أو واوا أو ياء. فإن كان ألفا قلبتها ياء وأدغمت فيها ياء التصغير فتقول في تصغير منار: منير. وإن كان ياء أدغمت فيها ياء التصغير فتقول في تصغير شعير: شعير.
وإن كان واوا فإما أن تكون زائدة للإلحاق أو (لغير) الإلحاق أو أصلية. فإن كانت زائدة لغير الإلحاق قلبتها ياء وأدغمت فتقول في عجوز: عجيز. وإن كانت زائدة للإلحاق أو أصلية جاز فيها وجهان: القلب والإدغام، وإجراؤها مجرى الصحيح فتقول: أسيود وأسيد وجهيور وجهير، وقسيور وقسير.
وإن كان حرف العلة رابعا فإما أن يكون ياء أو ألفا. فإن كان ياء فحكمه حكم الصحيح فتقول في تصغير قاض: قويض.
وإن كان ألفا فإما للتأنيث أو لغيره. فإن كان لغير التأنيث فعلت به ما فعلت بالصحيح وقلبت الألف ياء فتقول في ملهى مليه.
وإن كانت لتأنيث فعلت به ما فعلت بالصحيح، إلا أنك تترك ما قبل الآخر على حركته فتقول في حبلى: حبيلى.
وإن كان في الاسم المصغر حرف مبدل فلا يخلو أن يكون حرف علة أو حرفا صحيحا أو الهمزة. فإن كان حرف علة رددته إلى أصله إذ زال بالتصغير موجب البدل فتقول في موقن: مييقن. فترد الواو إلى الياء لزوال الموجب لبدلها وهو سكونها وانضمام ما قبلها، فلما صغرت تحركت فعادت لأصلها.
مخ ۱۳
وإن كان همزة فإما طرفا أو غير طرف. فإن لم تكن طرفا لم ترد إلى أصلها فتقول في قائم: قويئم، ولا تردها إلى الواو. وإن كانت طرفا فارددها إلى أصلها فتقول في تصغير كساء: كسي، لأن الهمزة فيه بدل من الواو بدليل كسوت، فتزيد ياء التصغير ثالثة وتقلب الألف ياء وتكسرها وتقلب الواو ياء لانكسار ما قبلها فتجتمع ثلاث ياءات فتحذف إحداهن وينبغي أن تكون المحذوفة المبدلة من الألف، لأنها زائدة لغير معنى فهي أولى بالحذف من الأصلية ومن حرف التصغير.
وإذا أدى تصغير الرباعي المؤنث إلى حذف حرف منه ألحقته تاء التأنيث كالثلاثي فتقول في سماء: سمية، وإن لم تحذف منه شيئا لم تحلقه تاء التأنيث. فأما قولهم في وراء: رويئة، فسيذكر في بابه.
فإن كان الحرف المبدل صحيحا لم يرد إلى أصله، فتقول في تخمة: تخيمة. وإن كان الاسم مقلوبا رددته إلى أصله فتقول في تصغير هار: هويئر، لأنه مقلوب من هائر فيرد إليه.
باب تصغير الخماسي فما فوقه
الاسم الذي على خمسة أحرف لا يخلو من أن يكون فيه زيادة أو لا يكون فيه زيادة. فإن لم تكن فيه حذفت آخره نحو سفرجل، تقول: سفيرج. ولك أن تعوض فتقول: سفيريج، إلا أن يكون ما قبل الآخر حرفا من حروف الزيادة أو حرفا يشبه في المخرج ما هو من حروف الزيادة نحو خدرنق وفرزدق فالنون من حروف الزيادة والدال تشبه التاء، والتاء من حروف الزيادة فتقول فيها: خديرق وقريزد وفريزق.
وإن شئت عوضت ياء قبل الآخر فتقول: خديريق وخديريق، وفريزيد وفريزيق، إلا أن يكون الحرف الأخير من حروف الزيادة نحو شمردل فإنك تقول في تصغيره: شميرد، وتحذف الألف.
مخ ۱۴
فإن كان فيه حرف واحد من حروف الزيادة حذفته، إلا أن يكون حرف علة زائدا قبل الآخر فإنك لا تحذفه بل تبقيه إن كن ياء على لفظه، وإن كان واوا أو ألفا قلبتها إلى الياء وذلك الإلحاق أو قنديل وبهلول وسربال.
فإن كان فيه زيادتان واحتجت إلى حذف واحدة منهما فلا يخلو من أن تكون للإلحاق أو لغير إحداهما للإلحاق والأخرى لغير الإلحاق. فإن كانتا للإلحاق فلا يخلو أن تكون إحداهما من لفظ الأصل والأخرى ليست كذلك، أو يكونا من غير لفظ الأصل.
فإن كانت إحداهما من غير لفظ الأصل حذفتها فتقول في عفنجج عفيجج وكذلك خفيدد، فتحذف النون والياء، وإن شئت عوضت.
فإن كانت من غير لفظ الأصل حذفت أيهما شئت فتقول في كوألل: كويئل، إن حذفت اللام، وكذلك إن حذفت الهمزة. ولك أن تعوض.
فإن كانت الواحدة لغير الإلحاق حذفتها وتركت الملحقة فتقول في عثول: عثيل وعثييل، بحذف إحدى اللامين لأنها زائدة لغير الإلحاق، وتترك الواو لأنها بمنزلة شين قرشب.
إلا أن تكون الزيادة التي لغير الإلحاق زيدت مع التي للإلحاق دفعة واحدة، ولم ترد في كلامهم بعد استقرار الملحقة، فإن حكمها حكم غير الملحقة فتقول في مقعنسس: مقيعس، بحذف إحدى السينين والنون.
وإن كانت السين ملحقة، وتترك الميم وإن لم تكن ملحقة، ألا ترى أن عثولا كان أولا مخفف اللام بمنزلة درهم فزدت فيه إحدى اللامين بعد ذلك، ولا يتصور في مقعنسس أن يكون ملحقا دون الميم والنون.
وإن كانت لغير الإلحاق تركت الفاضلة وحذفت المفضولة، والتفاضل في الحروف يكون بالتقديم والتحريك وبأن يكون حذف إحداهما يفضي إلى مثال موجود والآخر لا يفضي إلى ذلك نحو منطلق تقول في تصغيره: مطيلق، بحذف النون، لأن الميم فضلتها بالتقديم، أو نحو استخراج تقول: تخيرج، وتحذف السين لأن سفعالا ليس من كلامهم وتفعال موجود.
مخ ۱۵
فإن تفاضلتا حذفت أيتهما شئت فتقول في قلنسوة قلينسة وقليسية، فتارة تحذف النون وتارة تحذف الواو لأن النون تفضل بالتقديم والواو أيضا تفضل الحركة.
فإن كان الخماسي على وزن أفعال جمعا أو في آخره ألف التأنيث الممدودة أو المقصورة أو الألف والنون المشبهتان لها فإنك تبقي ما قبل الآخر على ما كان عليه فتقول في أجمال أجيمال وفي حمراء حميراء وفي سكران سكيران.
فإن كان على أزيد من خمسة (أحرف) حذفته حتى يرجع إلى أربعة أحرف ما لم يكن رده إلى خمسة. رابعها حرف مد ولين.
وحكم الحروف في الحذف حكمها في الخماسي ولا يتعد بألف التأنيث ولا بتائه ولا بالألف والنون المشبهتين لألفي التأنيث، بل يعتد بما عدا هذه الحروف، وقد تقدم خلاف أهل الكوفة في تصغير ما زاد على أربعة في أول هذا الباب.
باب تصغير الظروف
وهي تنقسم قسمين: متصرف وغير متصرف. فالمتصرف تصغيره كتصغير الأسماء غير الظروف، وغير المتصرف ينقسم قسمين: قسم لم يتصرف في موضع أصلا وقسم يتصرف قليلا. فالذي لا يتصرف أصلا لا يجوز تصغيره نحو: بعيدات بين وذات مرة وسبحان الله.
والذي يتصرف قليلا لا يجوز تصغيره إلا ضرورة حيث سمع، وقياسه في التصغير كقياس الأسماء إلا أنك تلحق المؤنث منه تاء التأنيث. وإن كان على أزيد من ثلاثة أحرف وذلك أنه حيث قل تصريفه لم يكن له ما يستدل به على تأنيثه، بخلاف الأسماء المنصرفة فإن الإخبار عنها والإشارة إليها تدل على تأنيثها فلذلك قيل في تصغير قدام ووراء: قديديمة ووريئة، إذ لو لم تلحق تاء التأنيث لتوهم أنهما مذكران.
باب تصغير الأسماء المبهمة
قد تبين أن الأسماء المتوغلة في البناء لا يجوز تصغيرها إلا أسماء الإشارة والذي والتي من الموصولات واللاتي.
مخ ۱۶
وسبب ذلك أن التصغير في المعنى نعت فإذا قلت: رجيل، فمعناه: رجل حقير، وليس في الأسماء المتوغلة في البناء ما ينعت إلا هذه الأسماء فلذلك صغرت.
وإذا كانت طريقتها في النعت طريقة ليس لغيرها من الأسماء كان لها طريقة في التصغير ليست لغيرها من المصغرات، ألا ترى أنها لا توصف إلا بما فيه الألف واللام.
وأما الذي والتي واللاتي فصغرت على قياس أسماء الإشارة لأنها مبهمة مثلها وقياس هذه الأسماء في التصغير أن تترك أوله على حركته وتلحق ياء التصغير ثالثة وتزاد ألف في آخره، فإن تعذرت زيادتها في الآخر زيدت قبل الآخر فنقول في تصغير ذا: ذيا، بترك الذال على حركتها وتقلب الألف ياء لأن أصلها الياء بدليل قولهم: ذي، للمؤنث، ثم تزيد ياء التصغير ثالثة ثم ترد إليه حرفا ثالثا كما تفعل ذلك في يد ودم وتدغم ياء التصغير في الياء الأخيرة وتزيد الياء في الآخر فتصير ذييا فتجتمع ثلاث ياءات فتحذف واحدة وهي الأولى ولا يمكن حذف الأخيرة لئلا تقع ياء التصغير طرفا. ولا يجوز حذف ياء التصغير لأنها حرف معنى، فتقول: ذيا.
وكذلك تفعل بتصغير تا، تقلب الألف ياء لأنها أصلها بدليل قولهم: تي، في معناها وتلحق ياء التصغير ثالثة وترد المحذوف وهو اللام كما فعلت في تصغير ذا حتى تردها إلى ثيا.
فإن ثنيت حذفت الألف لالتقائها مع ألف التثنية فتقول: ذيان وتيان وذيين وتيين.
ولا يثنى من أسماء الإشارة إلا تا أو ذي لئلا يلتبس المذكر بالمؤنث، ألا ترى أنك لو صغرت ذي أو هذه لقلت: ذيا، فيكون في اللفظ كالمذكر، ومن قال: ذاك قال: ذياك، ومن قال: ذلك قال: ذيالك. وإذا صغرت أولى قلت: أوليا، بترك الأول على حركته، وتزيد ياء التصغير ثالثة وتقلب الألف ياء وتدغم ياء التصغير فيها وتزيد ألفا في الآخر.
مخ ۱۷
ومن قال: أولاك قال: ألياك، ومن قال: أولاء قال: أولياء، تبقي الأول على حركته وتلحق ياء التصغير ثالثة وتقلب الألف ياء وتدغم فيها ياء التصغير وتزيد ألفا قبل الآخر. وإنما لم تزد في الآخر لئلا تخرج عن نظائرها من الأسماء المصغرة لأنه لم يوجد اسم مصغر على خمسة أحرف إلا أن يكون قبل آخره حرف مد ولين، فزيدت الألف قبل الآخر لذلك.
وكذلك تقول في تصغير الذي: اللذيا، تبقي الأول على حركته وتلحق ياء التصغير ثالثة وتدغمها في يا الذي، وتزيد ألفا في الآخر.
وكذلك تفعل في تصغير التي فتقول: اللتيا.
فإن ثنيت اللذيا قلت: اللذيان رفعا واللذيين نصبا وخفضا، وكذلك التي فتحذف ألف اللذيا واللتيا للالتقاء مع ألف التثنية.
وتقول في جمع اللذيا بالواو والنون في الرفع وبالياء والنون في النصب والخفض:
اللذيون واللذيين، فتحذف الألف لالتقائها مع واو الجمع ويائه كما فعلت في مصطفين وموسين.
وتقول في جمع اللتيا بالألف والتاء اللتيات، فتحذف الألف لالتقائها مع ألف الجمع. وتقول في تصغير اللاتي: اللويتا، تبقي الأول على حركته وتقلب الألف واوا لأن اللاتي بمنزلة ضارب، فكما تقلبها في ضارب واوا كذلك تقلبها في لاتي، وتزيد الياء ثالثة وتحذف الياء من لاتي لئلا تخرج عن نظائرها من الأسماء المصغرة إذا زدت في آخرها ألفا في كونه على خمسة أحرف وليس قبل آخره حرف مد ولين فكذلك تقول: اللويتا.
ومن العرب من يضم الأول في تصغير الأسماء الموصولة على قياس التصغير فيقول: اللذيا واللتيا. ولا يصغر اللاتي ولا اللائي، استغنوا عن ذلك بتصغير اللاتي لأنها في معناها.
وقد تصغر العرب بحذف جميع زوائد الاسم فتقول في تصغير اشهيباب: شهيب ويسمى هذا تصغير الترخيم.
مخ ۱۸
باب النسب اختلف النحويون في تسمية هذا الباب فمنهم من سماه بالنسب، ومنهم من يسميه الإضافة، وهو الصحيح، لأن الإضافة أعلم من النسب، لأن النسب في العرف إنما هو إضافة الإنسان إلى آبائه وأجداده، يقال فلان عالم بالأنساب. والإضافة في هذا الباب قد تكون إلى غير الآباء والأجداد فلذلك كانت تسميته إضافة أجود من تسميته نسبا.
والنسب يكون إلى الأب وإلى الأم وإلى الحي والقبيلة وإلى مكانه وإلى صنعته وإلى ما يلازمه وإلى ما يملكه وإلى من يكون على مذهبه وإلى صفته، وذلك قليل نحو أحمري وأشقري وأعجمي ودواري وعليه قوله:
أطربا وأنت قنسري
والدهر بالإنسان دواري
وقد تلحق ياء النسب في اللفظ ولا يكون منسوبا في المعنى وذلك نحو كرسي ويحتي. فإذا نسبت الإنسان إلى ما يملكه نسبته بالياءين.
وقد يجيء على فاعل وذلك موقوف على السماع نحو رامح ونابل ودارع ولابن وتامر وسائف.
وإذا نسبت إلى صنعته نسبت بإدخال ياء النسب على اسم الشيء الذي يحاوله، وقد يجيء على فعال وذلك موقوف على السماع نحو عطار وخياط وبزاز. فإذا نسبت إلى ما يلازمه نسبت أيضا بياءي النسب. وقد يكون هنا الاسم الذي ينسب إليه على ما فعل وذلك نهر في قول الشاعر:
لست بليلى ولكني نهر
لا أدلج الليل ولك أبتكر
وقد يجيء النسب على مفعال كامرأة معطار، وعلى مفعيل نحو ناقة مخطير وعلى مفعل نحو امرأة مدعس وذلك قليل.
وما بقي فإنك تنسب بياءي النسب.
والاسم المنسوب لا يخلو أن يتغير بالنسب أو لا يتغير. فإن لم يتغير فهو مقيس إلا ما يستثنى وهو ما قياسه أن يغير باطراد.
وإن تغير فلا يخلو أن يطرد التغيير (أو) لا يطرد. فإن اطرد فهو مقيس وإن لم يطرد فهو، مسموع وسنذكر جميع الشاذ بعد الفراغ من المقيس.
مخ ۱۹
والاسم المنسوب لا يخلو أن يكون مفردا أو مثنى أو مجموعا. فإن كان مجموعا فلا يخلو من أن يكون جمع سلامة أو اسم جمع أو اسم جنس أو جمع تكسير.
فإن كان اسم جمع أو اسم جنس نسبت إليه على لفظه مثل قوم تقول في النسب: قومي، وفي رهط: رهطي، وفي شجر: شجري، وفي تمر: تمري وإن كان جمع تكسير فلا يخلو من أن يكون له واحد من لفظه أو لا يكون. فإن لم يكن له واحد من لفظه نسبت إليه عل لفظه نحو: عباديدي وشماطيطي. وإن كان له واحد من لفظه فلا يخلو من أن يكون قد بقي على جمعيته أو كان اسما لشيء. فإن كان قد صار اسما لشيء نسبت إليه على لفظه مثل أنمار وأنصار تقول: أنماري وأنصاري.
وإن كان باقيا على جمعيته فلا يخلو من أن يكون رده إلى المفرد يغير المعنى أو لا يكون، فإن كان رده إليه بغير المعنى نسبت إليه على لفظه وذلك نحو أعراب، تقول في النسب إليه: أعرابي، ولا ترده إلى عرب لأن عربا أعم من أعراب، لأن الأعراب إنما تقع على أهل البوادي خاصة وعرب يقع على البادي والحاضر، فلو رددته إليه لأدخلت في المنسوب عموما لم ترده.
فإن كان رده إليه لا يغير المعنى نسبت إلى مفرده فتقول في النسب إلى الفرائض فرضي، وفي النسب إلى القبائل قبلي، وفي النسب إلى أبناء فارس بنوي.
فإن كان جمع سلامة أو مثنى نسبت إلى مفررده فتقول في النسب إلى زيدين: زيدي، وإلى زيدين: زيدي.
فإن كان مفردا فلا يخلو أن يكون محكيا أو لا يكون. فإن كان محكيا نسبت إلى الصدر فتقول في النسب إلى تأبط شرا: تأبطي. وقد سمع النسب إلى الجملة بأسرها نحو كنتي في النسب إلى كنت. قال الشاعر:
ولست بكنتي ولست بعاجن
وشر الرجال الكنتني وعاجن
وقد قيل: كوني، نسب إلى الصدر ورد المحذوف لتحرك النون.t فإن لم يكن محكيا فلا يخلو أن يكون مضافا أو مركبا أو غير ذلك.
مخ ۲۰