والترتيبُ،
رجليه كما أمرَ اللهُ. فثبَتَ أنَّ اللهَ تعالى إنَّما أمرَ بالغَسلِ، لا بالمسحِ.
ويَحتَمِلُ أنه أرادَ بالمسحِ: الغَسلَ الخفيفَ. قال أبو علي الفارسيُّ: العربُ تسمِّي خفيفَ الغَسلِ: مَسحًا. فيقولون: تمسَّحتُ للصَّلاةِ. أي: توضَّأتُ (^١).
وخُصَّتِ الأرجلُ بذلك دونَ بقيةِ الأعضاءِ؛ لأنها تُقصدُ بصبِّ الماءِ كثيرًا، فهي في مظنَّةِ الإسرافِ المنهيِّ عنه، فلذلك عطفتْ على الممسوحِ؛ تنبيهًا على الاقتصارِ في صبِّ الماءِ. وقيل: إلى الكعبين. ليزولَ وهْمُ مَنْ يظُنُّها ممسوحةً؛ إذ المسحُ لمْ يحددْ في كتابِ اللهِ تعالى، بخلافِ الغَسلِ (^٢). وحينئذٍ معنى القراءتين واحدٌ؛ وهو الغَسلُ.
والمرادُ بالكعبين (^٣): قال الجوهري: الكَعبُ: العظمُ الناتئُ عند ملتقى الساقِ والقَدَمِ. وأنكرَ الأصمعيُّ قولَ الناسِ: إنه في ظَهرِ القَدمِ. قاله في "المطلع" (^٤).
(و) الخامسُ: (الترتيبُ) بين الأعضاءِ، كما ذكرَ اللهُ تعالى؛ لأنَّه أدخلَ ممسوحًا بين مغسولَينِ، وقطعَ النظير (^٥) عن نظيرِه، وهذه قرينةُ إرادةِ الترتيبِ. وتوضَّأَ رسولُ اللهِ ﷺ مرتَّبًا، وقال: "هذا وضوءٌ لا يقبلُ اللهُ الصَّلاةَ إلا به" (^٦) أي: بمثلِهْ
(^١) انظر "الشرح الكبير" (١/ ٢٩٨).
(^٢) "شرح الزركشي" (١/ ١٩٥).
(^٣) في الأصل: "بالكفَّين".
(^٤) "المطلع" ص (١٤).
(^٥) في الأصل: "النظر".
(^٦) قال الألباني في الإرواء (٨٥): لا أعلم له أصلًا بذكر الترتيب فيه، إلا ما سيأتي من رواية ابن السكن عن أنس - ثم ذكره نقلًا عن الحافظ في "التلخيص" - ثم ضعفه الألباني. والحديث أخرجه ابن ماجه (٤١٩)، والبيهقي ١/ ٨٠ من حديث ابن عمر، وليس فيه ذكر الترتيب.