شاعر غزل عمر بن ابي ربيعة
شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة
ژانرونه
بحث ذلك نافع في استقصاء سيرته وأخلاقه، ولكنه لا يلزمنا هنا في تحليل معانيه والنفاذ إلى حقيقة غزله وأسلوب فنه ودخيلة مزاجه وطبعه، وما يستطيع إنسان أن يتوب عن المزاج والطبع وإن تاب عن بعض الأفعال أو بعض الأقوال، فسيبقى كما خلق لا يبدل شيئا من خلائقه إلا ما يستطاع فيه التبديل.
قال مولى لعمر: «كنت مع عمر وقد أسن وضعف، فخرج يوما يمشي متوكئا على يديه حتى مر بعجوز جالسة فقال: هذه فلانة! وكانت إلفا له. فعدل إليها فسلم عليها، وجلس عندها وجلس يحادثها. ثم قال: هذه التي أقول فيها:
ما زال طرفي يحار إذ برزت
حتى التقينا ليلا على قدر
فأطلعت رأسها إلى البيت وقالت: يا بناتي هذا أبو الخطاب عمر بن أبي ربيعة عندي، فإن كنتن تشتهين أن ترينه فتعالين! فجئن إلى مضرب قد حجزن به دون بابها، فجعلن يثقبنه ويضعن أعينهن عليه يبصرن، فاستقاها عمر. فقالت له: أي الشراب أحب إليك؟ قال: الماء! فأتي بإناء فيه ماء، فشرب ثم ملأ فمه فمجه عليهن وفي وجوههن من وراء الحاجز، فصاح الجواري وتهاربن وجعلن يضحكن. فقالت العجوز: ويلك! لا تدع مجونك وسفهك مع هذه السن! فقال: تلوميني؟! فما ملكت نفسي لما سمعت من حركتهن أن فعلت ما فعلت ...»
والمزاح الذي أشرنا إليه آنفا كما تدل عليه هذه القصة هو موقع الاستشهاد، فهو مزاج رجل لا يسلو معابثة النساء ولا يملك أن يستعصم من التصابي حيث تستغويه دواعيه. فالقصة على هذا النسق ترجمان ذلك المزاج المعروف في الشيوخ المتصابين، إن صحت فهي خبر صادق، وإن لم تصح فالتصابي في الشيوخ من أشباه عمر بن أبي ربيعة صحيح؛ لأنه لا يبطل ببطلانها ولا يعتمد في وجوده عليها. (4) صناعته
ابن أبي ربيعة من أحسن النماذج الأدبية التي يتجلى فيها الفرق بين الإمامة في الطريقة الشعرية والإمامة في الصناعة الشعرية.
فقد يكون الشاعر أصلح الناس لتمثيل طريقة أو مدرسة من مدارس الشعراء المختلفة، ولكنه لا يكون مع ذلك إماما في صناعة النظم وصياغة القصيد.
وقد كان شاعرنا بمولده ومزاجه ومعيشته وبيئته وشارته أصلح من يمثل شعراء عصره المشهورين بالغزل في أكثر من امرأة واحدة والولع بمجالسة النساء، ولكنه في اعتقادنا لم يكن أفضلهم نظما ولا أبرعهم قصيدا، ولا أقدرهم صناعة، على إجادته الموفقة في أبيات ومقطوعات.
وقد كثرت الشهادات له في عصره ممن تروى عنهم الشهادة للشعراء ويسمع لهم رأي في المفاضلة بين ضروب الكلام. فكانت مشيخة من قريش لا تعدل بشعره شعرا قط وقد تستحسن منه ما يقبح من غيره، وكان بعضهم يزعم أن «العرب كانت تقر لقريش بالتقدم في كل شيء عليها إلا في الشعر، فإنها كانت لا تقر لها به حتى كان عمر بن أبي ربيعة فأقرت لها الشعراء بالشعر أيضا ولم تنازعها شيئا».
ناپیژندل شوی مخ