شاعر غزل عمر بن ابي ربيعة
شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة
ژانرونه
فلما فرغ من إنشاده قالت له: أخزاك الله يا فاسق! ما علم الله أني قلت مما قلت حرفا، ولكنك إنسان بهوت.
فهذه قصة طويلة عريضة تقاس بها مثيلاتها، ولعل ادعاءه في غير هذه القصة أقرب إلى البهت وأدنى إلى التخيل؛ لأنه يضع الغزل والشكوى على لسان سيدة حصان تخاطبه بالوعظ والنصيحة. فما أحراه أن يخلق الغزل على من يظن بهن الخوض فيه والحنين إليه!
ويخيل إلينا أن كثيرا من الحسان اللائي كن يتصدين له ويشجعنه على التغزل بهن ونظم القصائد في وصفهن إنما كن يفعلن ذلك إرضاء لغرورهن وتنويها بجمالهن وحبا للتحدث بأخبارهن، ولا سيما المقبلات في الحج من بلاد غير بلاد الحجاز. فقد كان يرضيهن - ولا ريب - أن يرجعن إلى بلادهن بأبيات تتساير بها الركبان ويفهم منها الأتراب المنافسات أنهن ذهبن إلى الحجاز فخلبن ألباب رجاله وأطلقن ألسنة شعرائه وصرفنهم عن الغزل بحسانه، وقل في الحسان من ليست تغتر بمثل هذا الغرور في زمان عمر، وفي كل زمان.
ومن أمثلة ذلك قصة العراقية التي رواها صاحب «الأغاني»؛ حيث يقول:
بينما عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت إذ رأى امرأة من أهل العراق فأعجبه جمالها، فمشى معها حتى عرف موضعها، ثم أتاها فحادثها وناشدها وناشدته وخطبها، فقالت: إن هذا لا يصلح ها هنا. ولكن إن جئتني إلى بلدي وخطبتني إلى أهلي تزوجتك. فلما ارتحلوا جاء إلى صديق له من بني سهم وقال له: إن لي إليك حاجة أريد أن تساعدني عليها. فقال له: نعم. فأخذ بيده ولم يذكر له ما هي، ثم أتى منزله فركب نجيبا له وأركبه نجيبا آخر، وأخذ معه ما يصلحه وسارا لا يشك السهمي في أنه يريد سفر يوم أو يومين، فما زال يحفد حتى لحق بالرفقة، ثم سار بسيرهم يحادث المرأة طول طريقه ويسايرها وينزل عندها إذا نزلت حتى ورد العراق. فأقام أياما ثم راسلها يتنجزها وعدها، فأعلمته أنها كانت متزوجة ابن عم لها، وولدت منه أولادا، ثم مات وأوصى بهم وبماله إليها ما لم تتزوج، وأنها تخاف فرقة أولادها وزوال النعمة، وبعثت إليه بخمسة آلاف درهم واعتذرت، فردها عليها ورحل إلى مكة وقال في ذلك قصيدته التي أولها:
نام صحبي ولم أنم
من خيال بنا ألم
إلى آخر هذه القصيدة.
فهذه الحسناء العراقية لم ترد حبا ولا زواجا ولا متعة حديث، ولكنها أرادت أن يشتهر بين الناس أنها أزعجت شاعر الغزل في الحجاز عن وطنه حتى لحق بها وتمنى زواجها فلم تجبه إلى مناه، وهذا الذي صنعته الحسناء العراقية تصنعه الحسان الحجازيات اللائي يأبين السكوت عنهن إن كان معنى هذا السكوت أنهن أقل جمالا وفتنة ممن نظم فيهن الغزل وجرى بوصفهن الحديث. فيتصدين للغزل ولا يتجاوزن به هذه الملهيات أو هذه المناوشة، وإن طاب للشاعر أن يصرف هذا التصدي إلى غير معناه، وأن يرضي به غروره هو كما أرضين غرورهن به من ناحيتهن. •••
وشبيه بالبحث في صدق أخباره بحثنا هنا في صدق توبته وسبب تلك التوبة، فهل تاب؟ ولم تاب؟ أتاب إيثارا للهدى؟ أخوفا من السلطان؟ أيأسا من الغواية بعد إدبار الشباب؟ أحبا للمال الذي وعده أخوه أن يجريه عليه إذا هو أقلع عن الغزل والتشبيب؟
ناپیژندل شوی مخ