سیف او اور په سوډان کې

سلاطین باشا d. 1351 AH
132

سیف او اور په سوډان کې

السيف والنار في السودان

ژانرونه

لم يكتف الخليفة بذلك، بل أصدر أمرا جديدا بالتشديد في معاملة رجال توشكو وطوكر، فأغرى المأمورين في تشديدهم بحيث قتلوا كثيرين من الجعليين والدناقلة، ورحلوا آخرين إلى دارفور والقلابات؛ رغبة في استئصالهم نهائيا في تينك الناحيتين؛ وإذن استطاع الخليفة اتقاء شر سكان تلك النواحي وضمن التغلب على أية قوة معارضة هناك.

تنطبق مثل هذه المعاملة على سكان الجزيرة الذي أقصوا بأمر الخليفة إلى جهات نائية من السودان، أو الذين اضطروا إلى الحضور لأم درمان هم وأفراد أسرهم؛ حيث قاسوا الأمرين من الاضطهاد والفاقة. ومما زاد في أثقال كواهلهم، صدور الأمر بتسليم ما يزيد عن نصف محصول أراضيهم الزراعية التي كانت موزعة على عرب القبائل الغربية، وما زال الخليفة مستمرا في التضييق على أولئك حتى توصل عام 1890 إلى تفريق الأراضي على أقربائه وأصحاب الحظوة عنده. وقد بلغ الضيق بأصحاب الأرض الأصليين حدا التزموا عنده حراثة الأرض وتفليحها لأسيادهم الجدد، الذين وزعوا على أراضيهم كل ما يملكون من خدم وعبيد وماشية.

نجم عن ذلك التعسف إهمال أرض الجزيرة القابلة للإنتاج الوافر؛ فبعد أن كانت أوفر أرض السودان غلة وأكثرها سكانا، تضاءل هذان الخيران. وكان ذلك التضاؤل مصحوبا بهرج ومرج سادا جميع المناطق التي كان الخليفة مضطرا فيها إلى الانحياز لناحية الأهالي الذين عوملوا معاملة سيئة، ونزل بهم العسف وحاق بهم الطغيان إلى حد لا يكاد يصدقه العقل.

أكرر الآن ما قلته سابقا عن تفضيل أفراد القبائل المنتمية إلى الخليفة عبد الله عن جميع القبائل الأخرى في جميع الأحوال والظروف؛ فإنهم لا يتمتعون بأسمى الوظائف الحكومية والمراتب الشعبية فحسب، بل يتمتعون بما هو أسمى من ذلك ماديا؛ فإن القسم الأكبر من الأموال والغنائم التي ترد إلى بيت المال من مديريات دارفور والقلابات والرجاف يصل إلى أيدي أولئك الأفراد ولا يجد من يحاسبهم عليه. ومن غريب أمر أولئك الطامعين أنهم - رغبة في ملء جيوبهم بأكبر قيمة من المال - دعوا الخليفة إلى فرض ضريبة خاصة على الخيول، غير مبال بالشكوى العامة من جانب السكان الأصليين، فلا ريب إذن في حصول فرقته على نصيب الأسد من الغنيمة.

اشتهر الخليفة عبد الله أيام حكمه بتوسيع نفوذه بواسطة الدسائس وبث الفتن، فلا يكاد يتصل به زعماء قبائل غريبة عنه حتى ينشر الفتنة بينهم ليقوي جانبه ويضعفهم؛ ومن أمثلة ذلك أنه عند هزيمة وموت النجومي - الذي كان تابعا للخليفة الشريف الذي سحب منه عبد الله كل نفوذ على غيره من الأمراء - وضع عبد الله فلول الجيش المهزوم تحت قيادة الأمير يونس، وبدلا من رجال الجيش المقتولين عين عبد الله أفرادا من الجعليين ورجال أم درمان؛ حتى يكون واثقا من حصوله على نفوذ جديد.

قد وضع الخليفة أولئك في بادئ الأمر تحت إمرة مواطنهم بدوي واد العريق، ولكن بدلا من إرسالهم إلى دنقلة بعث بهم عبد الله إلى القضارف. ومما يذكر عن سوء نية الخليفة عبد الله نحوهم أن عذرا قهريا منعهم عن الرحيل إلى القضارف في الميعاد المعين، فأسرع «عبد الله» إلى اتهامهم بالعصيان، ثم أصدر أمره بنفي بدوي وستة من أمرائه إلى الرجاف وإحلال ستة آخرين بدلا منه تحت إمرة حامد واد علي ابن عم الخليفة.

خلق الإنسان وفي طبيعته البشرية نزوع إلى طلب الوقاية من القوي ورغبته في التمتع بسند الأقوى، فليس بدعا أن نرى حركة جديدة في صفوف أتباع الأمراء؛ لأن أكثرهم فضلوا السير تحت لواء الخليفة مباشرة أو تحت أسرة أخيه يعقوب، حتى إن أشياع علي واد هلو أنفسهم أسرعوا إلى تنفيذ هذه الرغبة. ويجمل بي في هذا الصدد أن أذكر شيئا عن سعي حامد واد جار النبي الذي كان عاملا رئيسا في هدم التباهين؛ كان حامد هذا منتميا لقبيلة حسابات التي يرأسها علي واد هلو، وبما أن حامدا هذا كان على بينة مما يجري وراغبا في تنفيذ فكرة الاستناد إلى ذراع الأقوى، لم يأل جهدا في بث فكرة انضواء أتباعه تحت لواء يعقوب، ولكنه (حامد) كان في الوقت نفسه قصير النظر غير مبال بما يجري إزاء تصريحاته، فأفضى برغبته إلى أقرباء علي واد هلو، ولم يكتف بذلك، بل تجاوزها إلى التصريح في اجتماع عام بأن الذي سيخلف الخليفة عبد الله بعد موته هو أخوه يعقوب أو ابنه الخليفة عثمان، فإذا ما استقر الأمر بين يدي يعقوب أو انتهت السطوة إلى عثمان، تلاشى نفوذ علي واد هلو وأصبح رجلا عاديا لا شأن له.

عندما سمع الواقفون هذه التصريحات العلنية، أجابه بعضهم بأن المهدي أوصى الخليفة عبد الله قبل موته (المهدي) بأن يخلفه في الخلافة علي واد هلو. فقال له حامد بأن الأحوال تغيرت وأن عبد الله من القوة بحيث لا يبالي بوصية المهدي الذي سبقه.

لم يكد حامد يذكر أقواله هذه حتى أسرع بعض المشائين بالنميمة إلى تبليغ الحادث إلى علي واد هلو، فاتهم الأخير حامدا بتهمة التحريض وبث الفتنة. وعندما قدم حامد إلى القاضي وسمع الأخير شهادة الشهود، لم يبق مجال للشك في صحة ما أدلى به مخبرو علي، فانتهى الحادث إلى تأثيم حامد بتهمة الزندقة؛ لأنه شك في قدسية أوامر المهدي وتعاليمه. ومع أنه كان من المتوقع جدا أن يتدخل الخليفة عبد الله لنصرة حامد وتبرئة ساحته، لم يستطع الخليفة إظهار تدخله علنا؛ فإن ذلك التدخل دليل قاطع على جلاء رغبة عبد الله في حرمان علي واد هلو من الخلافة بعده وإثبات جديد لصحة ما قاله حامد. ومع ذلك لم تكن الحقيقة خافية عن الشعب السوداني عموما وسكان أم درمان خصوصا.

قضي الأمر وصدر حكم القضاة بإعدام حامد، ورغم كون عبد الله بذل أقصى ما في وسعه لحمل علي واد هلو على إرجاء ميعاد التنفيذ، فإن ذلك لم يخفف من غلواء علي وشدة حنقه. وقد عرف واد هلو أن تنفيذ الحكم في حامد انتقام مباشر من الخليفة عبد الله؛ وإذن ظفر علي واد هلو بتحقيق رغبته، فنفذ حكم الإعدام في حامد جار النبي علنا في ميدان السوق الكبير بعد أن ألصقت به تهمة الزندقة والتحريض على الثورة.

ناپیژندل شوی مخ